انتفاضة الخبز تخيم على ذكرى ثورة يناير

TT

تستعد القوى السياسية في مصر للنزول إلى ميدان التحرير في مليونية جديدة يوم 25 يناير (كانون الثاني)، بمناسبة الذكرى الثانية لاندلاع الثورة. وبينما خرج الثوار قبل عامين للمطالبة بسقوط نظام الحزب الوطني والرئيس حسني مبارك، يطالب الثوار الآن بتحقيق مطالبهم التي لم تتحقق حتى الآن. فقد دعا محمد البرادعي - مؤسس حزب الدستور - شعب مصر للنزول في هذه المناسبة قائلا: «إن الثورة لم تكتمل ولم يتحقق من مطالبها شيء، وحان الوقت للتعبير عن الغضب المشروع من تجاهل المطالب الثورية المتمثلة في عيش، حرية، عدالة اجتماعية». («المصري اليوم» 17/1/2013) ويبدو أن الوضع الاقتصادي المتعثر الآن ينذر بتحويل احتفال المصريين بثورتهم إلى تكرار ما حدث في ثورة الجياع قبل 36 عاما.

فبعد حرب التحرير التي قادها الرئيس السادات في 1973 لاسترداد الأراضي المصرية المحتلة في سيناء، وصل الوضع الاقتصادي إلى درجة كبيرة من الانهيار نتيجة للحروب والنظام الاشتراكي الذي فرضه الرئيس عبد الناصر قبل عشر سنوات. وعندما أعلن عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية، عن ضرورة رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، خرجت الجماهير الغاضبة إلى الشوارع ضد النظام وهم يهتفون «أين الخبز يا سادات». وتطور الأمر في 18 و19 يناير إلى أحداث عنف، من حرق لأقسام الشرطة وأبنية الخدمات العامة، مما اضطر الحكومة إلى التراجع عن قراراتها والإبقاء على دعم السلع الضرورية.

وفي 25 يناير 2011 الذي يوافق عيد الشرطة في مصر، اتفق بعض الشباب المصري على التجمع في ميدان التحرير وسط القاهرة، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وانتشار حالات الفساد السياسي والاقتصادي في ظل حكم الرئيس مبارك، إلى جانب سوء معاملة الشرطة للشعب. وكان الشبان الذين تجمعوا في الميدان ينتمون إلى بعض الحركات الاحتجاجية التي ظهرت في مصر قبل ذلك بسنوات قليلة، مثل كفاية و6 أبريل إلى جانب مجموعة «كلنا خالد سعيد» التي تكونت عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، بينما رفضت جماعة الإخوان المسلمين المشاركة في هذه المظاهرة هي البداية، وقالت إن الثورة «ليست من صنعنا». كانت النقطة الفاصلة التي قصمت ظهر البعير في الشارع المصري هي انتخابات مجلس الشعب التي تمت قبل نهاية عام 2010، وأدت إلى انهيار الثقة في حكومة الرئيس حسني مبارك. فقد عمل المهندس أحمد عز - أمين تنظيم الحزب الوطني – إلى استخدام كل الطرق المشروعة وغير المشروعة حتى يفوز حزب الحكومة بالأغلبية الساحقة. ونال الحزب الوطني 81 في المائة من المقاعد البالغ عددها 518، بزيادة 90 مقعدا عما كان عليه في الانتخاب السابقة التي أجريت في 2005، بينما لم يفز المستقلون والمعينون سوى بـ19 في المائة. وهكذا ربح الحزب الوطني الانتخابات، ولكنه خسر ثقة الشعب المصري.

ولما تمكن الشباب من الصمود في ميدان التحرير أمام هجمات الشرطة، بدأت الجماهير تتعاطف معهم وخرجت مؤيدة لمطالبهم، وعندما استطاع زعماء الإخوان - ومن بينهم الرئيس محمد مرسي - الهرب من السجون، جاءوا إلى ميدان التحرير منذ 28 يناير. وبعد 18 يوما لما نالت ثورة الشباب تأييد غالبية أبناء الشعب المصري ورفض الجيش التعرض لهم، اضطر الرئيس حسني مبارك إلى التنازل عن الرئاسة في 11 فبراير (شباط) 2011.

ونظرا لمحاولة جماعة الإخوان فرض سيطرتها على الدولة المصرية بعد سقوط النظام السابق، وعدم إشراك باقي القوى المدنية معها في السلطة، فقد ازداد التوتر السياسي في الشارع المصري خصوصا بعد إعلانها دستورا رفضته غالبية التيارات السياسية. ومع إصرار حكومة الإخوان على تجاهل مطالب الجماهير، دخلت مصر حالة من عدم الاستقرار السياسي أثرت سلبا على وضعها الاقتصادي، فهرب المستثمرون وغاب السياح الأجانب. وبدلا من التراجع لإرضاء المعارضين، حاولت الحكومة تغطية الخسارة المالية عن طريق الاقتراض من الخارج. لكن صندوق النقد الدولي اشترط قيام الحكومة ببعض الإصلاحات الضرورية للموافقة على قرض بمبلغ 4.8 مليار دولار، مما اضطرها إلى اللجوء إلى ذات الأسلوب الذي فشل السادات في تنفيذه من قبل، إلغاء الدعم عن بعض السلع الضرورية وزيادة الضرائب، مما يؤدي إلى رفع الأسعار. وقال هشام قنديل رئيس الوزراء إن: «البديل عن تطبيق تلك القرارات سيكون سيئا على اقتصاد البلاد».

وبينما تستعد جماعة الإخوان المسلمين الآن للاحتفال بمرور عامين على الثورة عن طريق تنظيم عمليات خدمية تبدأ في 19 يناير، مثل تنظيم المرور وإحياء ذكرى الشهداء وإقامة الشوادر الغذائية، اتفقت القوى الثورية على الدعوة إلى «جمعة الغضب» التي توافق ذكرى مرور 36 عاما على انتفاضة الخبز في 1977، بمسيرات تتجمع في الميادين الرئيسية بالمحافظات. وفي ميدان التحرير بالقاهرة، تتزايد أعداد خيام المعتصمين يوميا استعدادا لهذه المناسبة، كما يقوم التلفزيون المصري ببناء حاجز إسمنتي أمام مبنى ماسبيرو المجاور للميدان، تحسبا لما قد يحدث في المظاهرات.

ويبدو أن القدر قد قرر دخول المعركة في صف المعارضين، فتوالت كوارث تصادم القطارات وانهيار العمارات السكنية، مما نتج عنه مصرع العشرات من المواطنين. وبدلا من اتهام القدر، حمل الغاضبون الحكومة مسؤولية الأقدار.