فارق الوقت مع الجيش العربي

TT

سامحونا على هذه المفكرة الشخصية، بعض الشيء. فقد أشرت قبل أشهر إلى أن مشاهدة أخبار سوريا أصبحت مضنية وشبه مستحيلة. الإقلاع عنها كان المستحيل. كل يوم، في الصباح والمساء والليل والفجر والعصر، العين على «العربية» ونشرة الأخبار، لا يفصلنا ويخفف من كآبتنا إلا فاصل اقتصادي، ليس لأي علاقة بالاقتصاد، بل لأن المثل يقول خذوا النبأ من حسان الوجوه. وثمة حشد منهن على «العربية»، مهما قست الأخبار. عندما أفيق في الصباح، يكون التلفزيون لا يزال دائرا في صمت. وأول ما تقع عيني عليه عدد الضحايا وفقا للتنسيقيات. ويهولني العدد: متى استطاع الجيش العربي السوري الباسل حصد هذا العدد الرهيب، ونحن لا نزال في الصبح؟! ثم أتذكر فارق الوقت بين نيويورك والجمهورية العربية السورية، فأشعر بالراحة. لقد ظلمت الجيش العربي السوري حين خيل إليّ أنه استعجل. لا. لقد أخذ وقته. اللعنة على فارق الوقت، فهو خداع!

عندما أقول الجيش العربي السوري فمن قبيل المجاز والإيجاز. لا يمكن أن ننسى السلاح الجوي العربي السوري. فمنذ أن طلع إلى الأجواء تمت تسوية الأرض بالأرض. الغريب أن الرئيس الأسد نسي الإشادة بالبطولات التي نشاهدها كل يوم: فإذا فاتنا مشهد «الميغ»، بيضاء أو سوداء، في سماء سوريا، لا نلبث أن نرى ماذا فعلته بترابها.

التراب هنا، ليس بالمعنى التقديسي للأرض، كما يحرص أهل المغرب العربي، ولكن بمعنى التراب الذي يشبه الرمل. من رأى موفدة «العربية» ريما مكتبي بين ركام تفتاز يفهم ما نعني. لقد رأيت أفلاما كثيرة عن الحربين العالميتين، ورأيت بيروت بعد حرب لبنان. لا شيء مثل هذا. نحن في انتظار تعليق الأوسمة على صدور أبطال السلاح الجوي العربي السوري - جمعا يكون.

لا أعرف كم عدد المحطات التلفزيونية الممتازة في أميركا. لكنني أستطيع أن أقسم إنه باستثناء مرة أو مرتين، لمشاهدة برنامج تاريخي بالصدفة، لم تتغير «العربية»، حتى وهي تبث أخبارا رياضية. لا أفهم منها شيئا. يقرعني قراء كثيرون، إذا كتبت عن سوريا، يقولون لماذا تأخرت إلى الآن، وإذا لم أكتب لماذا صمت إلى اليوم. والفريقان على حق. لكن أحدا منهما لا يمكن أن يكون أكثر تأثرا بما يجري في سوريا منذ اللحظة الأولى. وأرجو من الذين ينسون، العودة إلى ما كتبت وماذا قلت قبل 20 شهرا. ولست أكتب الآن لأسجل كيف صحت توقعاتي. أترك التوقعات للزملاء الملهمين. لكن أيضا أحب - ما دامت مفكرة شخصية وشكرا لسماحكم - أن أضيف، أن المرء ليخجل من الكتابة عن آلام سوريا أمام ما يكتبه ميشيل كيلو في زاويته الأسبوعية في الجريدة ذاتها بأقصى درجات الخلق والصدق.