آفة العودة

TT

لندن - قبل بضعة أعوام، أجريت مقابلة مع رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، سارت على النحو التالي:

> أنت تعمل من أجل تطبيق حل الدولتين، أليس كذلك؟

- أجل.

> لكن حماس لا تقوم بالمثل.

- هذا صحيح.

هذه القضية المحورية، التي تأتي في صلب انقسام الحركة الوطنية الفلسطينية، ثابتة. مثلما يستعد جون كيري، مرشح الرئيس أوباما لتولي منصب وزير الخارجية، لتولي منصبه وإجراء عدد لا يحصى من المحادثات حول الدفع من أجل عملية سلام في الشرق الأوسط، من المهم مواجهة المشكلة، التي قد تم تسليط الضوء على أبعادها مؤخرا.

أولا، كان هناك خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وخطابه المروع عن زيارته الأولى لغزة الشهر الماضي. وأعلن قائلا: «فلسطين ملكنا من النهر إلى البحر ومن الجنوب إلى الشمال». بعبارة أخرى، انس التسوية بناء على خطوط 1967 بمبادلات أراض متفق عليها: تظل إبادة دولة إسرائيل هي الهدف.

بعدها، جاء محمد مرسي. تعتبر حماس جزءا من جماعة الإخوان المسلمين. كان مرسي، رئيس مصر الحالي، رئيسا للذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الأسبوع، ظهر أنه في إطار هذا الدور في عام 2010 قال: «إننا يجب ألا نغفل عن أن نرضع أبناءنا وأحفادنا كراهية لهؤلاء.. للصهاينة واليهود». ووصف الصهاينة بأنهم «مصاصو دماء يهاجمون الفلسطينيين، ومشعلو حروب، وأحفاد القردة والخنازير». ودعا إلى تحرير جميع الفلسطينيين.

تعتبر تعليقات مرسي المعادية للسامية جزءا من تشهير الدم القديم: يهود بقرون، يهود بذيول، ماعز وشياطين تنجس نساء مسيحيات. وماذا عن إرضاع الأطفال الكراهية؟ إن غرس الكراهية في نفوس الأبرياء يعادل غرس تدمير الذات.

وهذا ما حدث بالفعل.. عندما دعت الأمم المتحدة في عام 1947 لتقسيم فلسطين وإنشاء دولتين يهودية وفلسطينية، وشغلت الدولة الفلسطينية المقترحة نسبة 42 في المائة تقريبا من الأراضي، ذهبت الجيوش العربية إلى الحرب وتكبدت خسائر. اليوم، مع الضفة الغربية وغزة، يستحوذ الفلسطينيون على نسبة 22 في المائة من الأراضي بموجب عملية سلام تقوم على حل الدولتين. لقد كان هدف إبادة إسرائيل وصفة لانهزام الفلسطينيين ولعب دور الضحية وتكبد خسائر.

لقد استوعبت صفوف عريضة من القيادة الفلسطينية الدرس. لقد شهدت الضفة الغربية، تحت قيادة الرئيس محمود عباس وفياض، تغيرا هائلا على مدار الأعوام المنصرمة. لقد تم انتهاج سياسات جديدة - تقوم على نبذ العنف والإدارة المسؤولة والقضاء على الميليشيات والسيطرة المركزية على الأمن والنمو الاقتصادي - لوضع أساس لقيام دولة، دولة يتم تصويرها بشكل مباشر على أنها تتعايش جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل.

لقد كانت الإنجازات التي تحققت في رام الله قد حظيت بقدر هائل من الثناء من جهات عدة، من بينها البنك الدولي، لكن إسرائيل تراجعت، وتراجعها هذا أحد أسباب عزلتها الحالية. لكنها واصلت بناء المستوطنات في الضفة الغربية، على نحو بث الرعب في أوصال أوباما، الذي بحسب مقال في «بلومبرغ» لجيفري غولدبرغ، على قناعة بأن «إسرائيل لا تدرك ماهية مصالحها المثلى». إن توسيع نطاق المستوطنات ما هو إلا عمل ينم عن تدمير للذات. فهو يحول دون تحقيق السلام القائم على حل الدولتين الذي تحتاجه إسرائيل كي تبقى دولة ديمقراطية صهيونية. غير أنه يتماشى مع برنامج حزب الليكود الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يشير إلى أن «استيطان الأراضي تعبير واضح عن الحق الذي لا مجال للنقاش فيه للشعب اليهودي في أرض إسرائيل».

ربما يعود نتنياهو إلى السلطة في انتخابات هذا الشهر كرئيس لائتلاف يجنح بدرجة أكبر لتيار اليمين. إن طموح السيطرة على الأراضي كافة ليس مقصورا على فلسطينيين بعينهم. التطرف يغذي بعضه بعضا؛ هناك أغلبية في الوسط مستعدة لتسوية معقولة تولي للمستقبل الأولوية عن الماضي.

يعتبر هذا جزئيا محور الربيع العربي الذي يعود إلى عامين ماضيين: إعطاء المستقبل أولوية على الماضي.. بصرف النظر عن مدى الترنح (هل كانت الحركة الثورية ناعمة؟)، الذي كانت عليه اليقظة العربية في الإطاحة بالثقافة العربية الممثلة في عناصر لعب دور الضحية والمؤامرة والعجز باسم القوة والمشاركة والجدال.. ويجب أن ينتبه ديناصورات الحركة الفلسطينية، مثل مشعل.

يعتبر السعي لامتلاك جميع الأراضي، مع «حق العودة» المقترن به، شكلا من أشكال أسلوب لعب دور الضحية بشكل دائم، الذي أنتج 4.7 مليون لاجئ فلسطيني، وهو عدد يفوق بأضعاف عدد من تم تشريدهم من منازلهم في حرب عام 1948. إن من الأحرى الإشارة إلى حق العودة بمسمى آفة العودة. وهو عبارة عن وهم مدمر يبتعد عن تحقيق السلام باسم تنشئة الأبناء والأحفاد الفلسطينيين على الأمل. هناك احتمال لتعويض، لكن لا يوجد في التاريخ ما يسمى بحق العودة. لتسألوا يونانيي آسيا الصغرى وأتراك اليونان وألمان دانزيغ وبريسلاو (اليوم غدانسك وفروكلاف) - ويهود العالم العربي.

حينما كنت في القاهرة مؤخرا رأيت مسؤولة غربية رفيعة المستوى تلتقي بشكل متكرر بالرئيس مرسي. وأخبرتني بأنها ليس لديها أدنى شك في إيمانه بحق إسرائيل في الوجود والحاجة الماسة لسلام يقوم على حل الدولتين. السلطة مسؤولية؛ ويمكن أن تغير البشر. يجب أن تختبر الولايات المتحدة مرسي عن طريق الضغط عليه بقوة لإقامة وحدة فلسطينية بشكل عملي. وهذا من شأنه أن يقضي على مبرر إسرائيلي للقمع يطيح بالمصالح المثلى للدولة اليهودية.

* خدمة «نيويورك تايمز»