السعودية وموعد مع الأمل

TT

أنتمي إلى جيل كانت فيه الأمور أبسط وأوضح وأقل تعقيدا. كنا ندرس ونتعلم ونطلع على ثقافات العالم في أوقات الفراغ، وكان بالمدرسة أنشطة جميلة مثل الكشافة والرياضات المختلفة والفنون التشكيلية. كان هناك «مناخ» بسيط وغير معقد، كانت حصة البرامج الدينية في وسائل الإعلام جميلة ويتطلع الناس إليها بلهفة وشوق حقيقيين، فكان العلماء يدخلون إلى القلوب بصدق وبلا تكليف يحببون الناس في الدين دون تكبر ولا ازدراء ولا تقطيب للحواجب ولا رفع للصوت ولا غلظة في الكلمات، ولذلك كان هناك القبول لعبد العزيز المسند وعلي الطنطاوي ومتولي الشعراوي.

كانت برامج المصارعة الحرة (ومذيعها الخفي إبراهيم الراشد) متعة حقيقية، ومذيعها اللامع الذي أقنعنا أنه جزء من دبلجة الحلقة! وبرنامج جميل وبسيط مثل «من كل بحر قطرة»، يقدمه سامي عودة، وهو موظف مثقف كان يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص وقتها.

كانت أياما أبسط وأجمل ولا شك، كانت درجة إحسان الظن بين الناس أعلى، ولم يكن كل هذا القلق والهاجس من الآخر موجودا، ولم يكن داء التصنيف العجيب قائما والحكم على الناس بطريقة لبسهم وطول لحاهم ولكنتهم والمفردات التي تستخدم في حديثهم. كانت أوقاتا أبسط وأجمل. كانت الفرص في النجاح «متساوية» أكثر، وبالتالي الفيصل هو معيار الجدارة والكفاءة دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحاسيب والأنصار للمساعدة والدعم. ومعها كان هناك أمل مشروع وطموح معقول لأجيال متكاملة. كانت النفوس أكثر صفاء والسوية الاجتماعية واضحة.

اختلفت الظروف فضاقت النفوس، انتشر التعليم وقضى بالتدريج على الأمية ولكن مساحات الجهل في ازدياد كبير، وشتان الفرق الكبير بين الحالتين. ومع كل ذلك لا بد من إيجاد مساحة كافية من الأمل والتمعن فيها، وعليه لا بد من التركيز وبشدة على صناعة الأمل، تلك السلعة الأندر في هذه الأيام.

هناك حالة غير بسيطة يتم الإحساس بها في أجيال مختلفة، وفي علم النفس تفسر أنها حالة متزايدة وتحدث مع ازدياد علامات القلق والخوف والاضطراب من معرفة اتجاه بوصلة المستقبل، وهذه المسألة تبدو واضحة مع كثرة الحديث الإخباري غير المتوقف عن الربيع العربي الذي خطف على أيدي متطرفين متشددين يريدون سحب البساط من أبطال المشهد ليجير لأصحاب والتشدد والتطرف، وهذا الأمر كان سببا مباشرا في حصول حالة مهمة من القلق الكبير مما هو آتٍ وما تخبئه الأيام، ومع ذلك بدأت تباشير لافتة تحدث في السعودية تحمل معها علامات مبشرة لما هو آتٍ.

فالسعوديون يتحدثون بأمل وتفاؤل عن القرارات الملكية الأخيرة، سواء في تركيبة مجلس الشورى الأخيرة التي تضمنت أسماء ناجحة، وطبعا دخول المرأة بجدارة واستحقاق، أو في استمرار مسيرة الإصلاح القضائي داخل كل فروع هذا الجهاز المهم والأساسي الذي يعني كل فرد من أفراد الشعب، وتطعيم جهاز أمراء المناطق بوجهين من الأمراء الشباب المعروفين بالسمعة الجيدة والجدارة الإدارية وحسن التواصل مع الناس، وهي جميعا صفات مطلوبة وتهم الناس جدا، ولا يزال الناس في شوق ولهفة ينتظرون الأكثر والمزيد في نفس الاتجاه، حيث الأخبار تتردد عن تطوير وتحسين يطال وزارات مثل التعليم العالي والاقتصاد والتخطيط والمياه والخدمة المدنية والإسكان، وتطوير في قطاعات أخرى واستحداث أنظمة وقوانين تصب في الصالح العام المنشود.

هناك حالة كبيرة من حسن الظن بين الشعب السعودي ومليكهم، وقد بين ذلك الأمر أكثر من استطلاع للرأي، وهم يدركون بيقين صدق مليكهم وحسن نيته ورغبته الجادة في تحسين حياتهم المعيشية وتذليل الصعوبات ورفع مستوى الكرامة بشكل ملحوظ وملموس. ولذلك مع تباشير الأمل التي خرجت مع هذه القرارات الملكية المهمة، هناك حالة توقع وأمل في ما هو آتٍ.

السعوديون تعودوا، وخصوصا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على القرارات «الكبرى»، التي تحمل في مضمونها فكرا ومعنى مختلفا يمهد لأخذ البلاد إلى خطوات للأمام، مواجهة فيها التحديات والجمود مهما كان شكله وملامحه وتفاصيله.

صناعة الأمل والإبقاء عليه تحدٍّ كبير، وليس هذا بالأمر السهل، وهو مطلوب أكثر في ظل ظروف محيطة مليئة بالاضطراب وباعثة على القلق. ويظل السعوديون على أمل مطلوب تحمله الأيام القريبة لأجل مستقبل يحلمون به ويأملون في بنائه ويعتقدون أنهم يستحقونه.

[email protected]