تغير لون تمثال الحرية

TT

حضرت ضمن الاثنين حفل تنصيب الرجل الأسمر، يؤدي اليمين رئيسا للمرة الثانية، في أقوى دول الرجل الأبيض. منذ بدأتُ هذه المهنة محررا ناشئا كثير الأخطاء، في قسم الدوليات، جعلتنا الصحافة نتابع يوميا أخبار محركي هذا العالم. وبدأت مع جون كيندي، أول رئيس يمنح «الحقوق المدنية» منذ لنكولن، والاثنين كان باراك أوباما يلقي خطابه في يوم عطلة قومية: ذكرى مارتن لوثر كينغ، الذي لولا «حلمه» لما عبر أفريقي عتبة البيت الأبيض.

بعد كيندي، الشاب، المتحرر، الكاريزمي، جاء ليندون جونسون، المحلي، الثأري، الانتقامي وصاحب الصغائر.. ثم جاء ريتشارد نيكسون؛ المتفق والطموح والضعيف والكذاب.. أعقبه نائبه، جيرالد فورد.. ولاية قصيرة ورجل أبوي. وانتخبت أميركا جيمي كارتر.. المزارع الأخلاقي من الجنوب، أبعده عن الولاية الثانية الإيرانيون وإسرائيل؛ إيران لأنه هاجمها من أجل تحرير الرهائن في طهران، وإسرائيل لأنه تحدث - ولا يزال - عن «الوطن القومي الفلسطيني».

أفاد رونالد ريغان من متاعب كارتر وإصرار طهران على حبس الرهائن.. وكان فوزا ملونا. أميركا التي انتخبت أول كاثوليكي في جون كيندي انتخبت أول ممثل قادم من هوليوود، محاطا برفاقه وأصدقائه: فرانك سيناترا، ومارلون براندو... إلخ. أعقبه نائبه جورج بوش الأب.. بعد ولايتين لا يجوز أن يبقى الرئيس يوما واحدا. الرئاسة ولايتان؛ لا أبدان ولا أزلان.

خسر بوش بعد الولاية الأولى أمام كاريزمي آخر: محام عادي من ولاية إركنساو، المعروفة بولاية «التفقيس» بسبب موردها الأول: البيض والدجاج، أو الدجاج والبيض، إذا شئت. كان عهدا اقتصاديا ذهبيا للأميركيين. وما نجا منه كيندي وقع فيه كلينتون: النسائيات. وكيندي كان انتقائيا، كلينتون كان ريفيا.. دجاج وفراريج، وأحيانا قاقي قاقي.

بعد ولايتين باسمتين جاء الكارثة.. فاز جورج دبليو بوش بأكثرية بضعة أصوات عند شقيقه في فلوريدا. ومعه لم تبق مصيبة إلا حلّت بأميركا أو بالعالم.. احتلال العراق كان أبرزها. باراك أوباما كان ذروة المفاجآت في قوس القزح الأميركي الغريب الألوان.. أفريقي كاريزمي وسيم ويجتاح أميركا مثل أعاصيرها المشهورة.

هذه المرة كان اسم الإعصار ذكرا لا أنثى.. أفريقيا لا أميركيا. لم يتوقف باراك أوباما في زحفه على البيت الأبيض لحظة واحدة ولم يلتفت خلفه إلى أكواخ العائلة في كينيا. بلاد الأنجلوسكسون صارت في عهدة رجل أجعد الشعر.. أول أحداث القرن منذ وصول نيلسون مانديلا إلى رئاسة جنوب أفريقيا. الوداع لتفوق الرجل الأبيض.