يعرونهم ثم يرمونهم من النافذة

TT

وصلنا إلى نيويورك قبل أشهر فوجدنا أميركا في إعصارين: «ساندي»، الذي دمر الولايات الشرقية، وقصة العلاقة بين الجنرال ديفيد بتريوس، مدير الـ«سي آي إيه» وبين وليفته ومؤلفة سيرته ومولفة أموره الخاصة، الآنسة برودويل. وابتهجت الصحافة ابتهاجاً، وهاجت هياجاً، وركبت أمواجاً عندما ظهرت في القصة امرأة أخرى، هذه المرة حسناء من أصل لبناني، الاسم خوام قبل التأهل من طبيب أميركي.

صرنا نقوم وننام على أخبار بتريوس برودويل خوام وشركائهم في البيوت الزوجية أو متفرعاتها. صورة الآنسة برودويل، شهاداتها، هواياتها، مواعيد الرياضة، أذواق الطعام. وصورة السيدة خوام طالعة درج المنزل، نازلة درج المنزل، فاتحة باب السيارة، غالقة باب البيت. ثم السبق الكبير، صورة شقيقتها التوأم، ومعلومات عن زياراتها لطبيب نفسي ورهنية منزلها، وموعد التمديد. وتاريخ العائلة، قبل الهجرة من بيروت.

فجأة، لا شيء من هذا. نسي العالم أن بتريوس كان أرفع جنرال أميركي يملك مفاتيح الحرب في العراق وأفغانستان فيما تملك الآنسة برودويل.. ولم يعد أحد يسمع حرفاً عن السيدة خوام أو عن شقيقتها التوأم ومتاعبها المالية والنفسية. تلمظت الصحافة بعظام فريستها ومضت تبحث عن فريسة أخرى، ظبية أو حماراً وحشياً أو أرنباً منتوراً لا يريد من الدنيا سوى عشبة ووكر صغير.

لم أحب شيئاً – بكل ما في الكلمة من معنى – مثل الكتابة والصحافة، ولم أخجل بشيء كما أخجل بالجانب الافتراسي والمتوحش من الصحافة. المصورون الذين يعيشون طوال العمر من ملاحقة امرأة تريد شيئاً من الهدوء. المحررون الذين يختارون عنواناً مثيراً لخبر أقل من عادي بكثير. الصحافيون الذين يفرحون من آلام الآخرين. الصحف التي تعيش على الفضائح والشتم والوقوف أمام المحاكم.

جزء من هذه المهنة يعيش من قتل حياة الآخرين وتدمير خصوصياتهم والتربع فوق صدورهم. وهو الجزء الذي شعرت بالخجل منه منذ اليوم الأول في مهنة جميلة، إذا كان المرء كاتباً فيها أو قارئاً. يا له من حظ سعيد إذا تجمع. ولكن مثل كل المهن فيها قناصون. وكما يتاجر بعض الأطباء بأعضاء البشر أو يبني مهندس بناية تقع على ساكنيها، هناك في هذه المهنة من ينشر ثياب الناس الداخلية على النافذة، ثم يرميهم منها.