الحرب على الإرهاب تنتقل غربا

TT

الحملة العسكرية الأوروبية - الأفريقية على «الإسلاميين الجهاديين» في شمال مالي، والهجوم الجزائري على الجماعات الإسلامية التي احتلت المنشأة الغازية في جنوب الجزائر، وسعت نطاق «الحرب على الإرهاب» (كما يسميها الغربيون) من أواسط آسيا والشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا. ومن يدري، فقد تمتد هذه الحرب إلى بلدان أفريقية أخرى كالسنغال ونيجيريا وتشاد وموريتانيا وغيرها، حيث توجد جماعات سياسية دينية متطرفة تعتبر الغرب الأوروبي - الأميركي عدوا عقائديا وسياسيا، ومقاتلته فرضا دينيا. لا سيما أن «الربيع العربي» حمل إلى الحكم أحزابا وقوى سياسية إسلامية. يشجع وصولها جماعات إسلاموية أخرى على تحدي كل الأنظمة الحاكمة.

لقد ساندت الدول الغربية بعض الأنظمة العربية والإسلامية السلطوية لسنوات، لأنها كانت توفر الاستقرار الضروري لحماية المصالح الحيوية الدولية (النفط) وتشاركها في الحرب على الجماعات الإرهابية الإسلاموية. أما بعد الربيع العربي، فإن الدول الغربية، والولايات المتحدة خصوصا، باتت ميالة إلى التعامل مع الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم في بعض الدول العربية، وإلى تشجيع التحول الديمقراطي فيها بدلا من إرسال الجيوش والطائرات لمقاتلة «الجهاديين». كما فعلت في أفغانستان والعراق، ثم إنه لم يصدر عن الأنظمة الحاكمة الجديدة أي موقف أو خطوة عدائية للغرب، بل بالعكس. ولا تزال المساعدات الغربية والدولية لهذه الأنظمة مستمرة، مما حمل البعض على المراهنة على تعايش وتعاون إسلامي - ديمقراطي مع الغرب في المرحلة التاريخية المقبلة.

أي من هاتين الرؤيتين هي المرجحة؟ عصر من الانفتاح والتعايش والتعاون بين العالم العربي - الإسلامي والغرب الأميركي - الأوروبي أم مجابهة وتقاتل واستنزاف قوى، من باكستان إلى أفريقيا وأوروبا؟ وما موقف المجتمع الدولي من هذه «الجبهة» الحربية الجديدة التي فتحت في قلب أفريقيا؟ وموقف الدول العربية والإسلامية، وواشنطن وموسكو على الأخص؟ إنها مواقف غامضة ومتناقضة وظرفية.

لقد سمحت الجزائر للطائرات الفرنسية بأن تعبر أجواءها في طريقها إلى قصف مواقع الإسلاميين في مالي. ولا عجب؛ فالحرب بين الحكم الجزائر والإسلاميين قديمة، وضحاياها يعدون بعشرات وربما مئات الألوف. ولكن الرأي العام الجزائري أو المغربي والعربي، يختلف عن موقف الجزائر - الدولة ويدين بقوة هذه الحملة الأوروبية العسكرية التي تذكره بعصر الاستعمار الغربي لأفريقيا والعالم العربي.

ثم إن ساحة القتال، هذه المرة، ليست في الشرق الأوسط أو أواسط آسيا وحول منابع النفط أو الصراع العربي - الإسرائيلي، بل على أبواب المغرب وفي ضواحي أوروبا، التي لا تخفي، شعوبها وحكوماتها، قلقها من تغلغل التيارات السلفية في أوساط العشرين مليون مسلم وعربي المقيمين في أراضيها.

إن إنقاذ مالي من خطر تحولها إلى «أفغانستان طالبانية» يحظى بتأييد دولي وإقليمي غربي وأفريقي، شرط أن تحقق الحملة العسكرية أهدافها المعلنة. ولكن ماذا إذا تحولت هذه الحملة العسكرية الصغيرة إلى أفغانستان أو فيتنام أخرى؟ وماذا إذا فشلت؟ وماذا إذا دخلت على المعركة دول أخرى تصفي حساباتها في حلبتها، كما هي الحال في سوريا، مثلا؟

لا شك في أن الحكومة الفرنسية درست موضوع التدخل العسكري في مالي من كل جوانبه، وأنها لم تقدم إلا بعد أن ضمنت التأييد الدولي اللازم. ولكن العالم بات يعيش حقبة جديدة من تاريخه حافلة بالمطبات والمفاجآت والتحولات السياسية المفاجئة، التي تفسد كل الحسابات. وأكبر دليل هو هذا الربيع العربي الذي فاجأ العالم، وأجهزة المخابرات ومراكز الدراسات في الدول الكبرى.

أما مسألة العملية الإرهابية على منشأة النفط في الجزائر، والطريقة العنفية التي تعاملت بها الحكومة الجزائرية معها، فعلى الرغم من تزامنها مع الحملة العسكرية على إسلاميي مالي، وربما ترابطها معها، فإنها تطرح بعدا آخر لهذه المواجهات بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي، وفي طليعتها موقف الأنظمة «الإسلامية» الجديدة من السلفيين والجهاديين والقاعديين المستمرين في مقارعة الغرب بالإرهاب. وهذا التناقض بين شعاراتها السابقة وسياسة الغرب الجديدة المراهنة على محاورتها والانفتاح عليها، لا على مجابهة العنف بالعنف.

هل تكون الصفحة الجديدة المقبلة من الحرب على الإرهاب انتقال ساحة المجابهة من الشرق الأوسط إلى أفريقيا.. أم مواجهة بين الإسلاميين المعتدلين الحاكمين والسلفيين الجهاديين؟

صحيح أن الربيع العربي قد حرر بعض الشعوب العربية من حكام سلطويين، وفتح أمامها آفاق الحرية والديمقراطية. ولكنه صحيح أيضا أنه حرك وأطلق قوى وجماعات سياسية - دينية متطرفة معلنة الحرب على الغرب والدول الكبرى، وعلى كل نظام أو إنسان لا يقول قولهم.

إن الحرب على الإرهاب لن تنتهي بانسحاب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان. بل إن ما يحدث في مالي يشكل معركة جديدة فيها، تغيرت فيها بعض الأسماء والعناوين.