أوباما.. الجزء الثاني!

TT

للمرة الثانية احتفل الشعب الأميركي بتنصيب الرئيس الأميركي المعاد انتخابه باراك أوباما في مشهد لا يزال يأسر خيال الناس ويسحرهم، وذلك لما فيه من رمزية هائلة ومعان عظيمة عن الحلم بمعناه الواسع وإمكانية تحقيقه مهما بدت التحديات كبيرة والصعوبات ضخمة.

فها هو ابن مهاجر كيني مسلم يصل لرئاسة أعظم بلاد الأرض للمرة الثانية، وذلك في الذكرى المصاحبة للإجازة الرسمية باسم «القس مارتن لوثر كينغ»، زعيم حركة التحرير والحقوق الوطنية، وهو الأفريقي - الأميركي الأشهر الذي دشن تمثاله الكبير في العاصمة الأميركية وليكون مواجها للرئيس باراك أوباما حينما يلقي خطاب التنصيب التاريخي.

ولكن باراك أوباما يأتي إلى الرئاسة والعالم مختلف جدا عما كان عليه قبل أربع سنوات بلا شك. فالسوق الأوروبية تعاني من انهيار مالي عظيم أدخلها في محنة اقتصادية عنيفة لها تبعات مستمرة حتى الآن على الاقتصاد العالمي برمته بشكل غير مسبوق، وهو الأمر الذي جعل رئيس الوزراء البريطاني كاميرون يعلن أنه سيذهب إلى الشعب البريطاني مباشرة لإجراء استفتاء عام يبحث فيه مبدأ استمرار بريطانيا في عضوية السوق الأوروبية أو الخروج منها، وهي خطوة لو تمت ستكون صادمة جدا لفكرة الاتحاد الأوروبي (بريطانيا كانت دوما حذرة تجاه فكرة السوق، فلم تنضم لفكرة التأشيرة الموحدة الصادرة من اتفاق شينغن، ولا قبلت بالانضمام للعملة الموحدة/ اليورو).

وكذلك الحال اليوم بالنسبة لروسيا التي تبدو أكثر شراسة وقوة وإصرارا على استعادة نفوذها وقوتها التي اضمحلت مع سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفياتي الكبرى، وها هي تحاول إبراز هذه «الشهية» في مناطق ملتهبة مثل سوريا وإيران وجورجيا على سبيل المثال، وهي تعتمد في ذلك على تطوير مداخيلها بأشكال قياسية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، الذي باتت روسيا أكبر منتج لهذه السلعة عالميا، وهذه المسألة مكنتها من أن تستثمر في قطاعات مختلفة مثل التصنيع العسكري والفضائي وغير ذلك من القطاعات الحيوية المهمة، وكذلك هناك تطور مهم لشهية الصين العسكرية في إثبات حضورها الإقليمي في مواقع مختلفة من الجزر المتنازع عليها مع اليابان والفلبين وسط تحفز دقيق من الولايات المتحدة التي تعتبر هاتين الدولتين من حلفائها المهمين جدا في المحيط الهادي.

ويأتي باراك أوباما في حقبته الثانية وسط أزمة اقتصادية داخلية لم تخرج منها الولايات المتحدة حتى الآن بسبب سياسات جورج بوش الابن المدمرة التي لا تزال أميركا تدفع ثمنها لليوم.

وهناك اتجاه صريح لأوباما بأن يكون اهتمامه منصبا على الداخل الأميركي على حساب الخارج، فهو اليوم يريد أن يكون عهده معيارا جديدا لسياسات حيازة السلاح بشكل مقنن وسياسات جديدة لحماية حقوق الإجهاض للمرأة وضمان حقوق الزواج المدني للمثليين وتطوير حقوق المهاجرين غير القانونيين، وهي جميعا مسائل شائكة ولكنها «تقرأ» بشكل جيد اتجاه البوصلة لسكان أميركا «الجدد» وهم معظمهم من الأقليات الذين سيلعبون دورا متناميا في مستقبل البلاد، وهنا يراهن أوباما على مستقبل حزبه على عكس الحزب الجمهوري الذي لا يزال أسير سياسات الماضي التي أدت إلى خسارته آخر انتخابات الرئاسة مرتين بشكل مهين.

وقد يكون أوباما بذلك يحضر لدخول زوجته ميشيل أوباما حقل الانتخابات الكبرى في الحزب الديمقراطي، نظرا لما لديها من قبول واضح وكبير، أو على أقل تقدير أن يمهد لهيلاري كلينتون، وزيرة خارجيته، التي تستعد للرحيل كرد دين لزوجها الذي يعتبره الكثيرون السبب الرئيسي لإنقاذ حملة أوباما ودعمها وإعادة ثقة الناخب الأميركي فيه.

ولكن كل ذلك سيكون على حساب الربيع العربي عموما، والثورة السورية تحديدا، التي ظاهريا لا تبدو أنها ضمن الأولويات، وكذلك الأمر بالنسبة لملف السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي اتضح من نتائج الانتخابات الأخيرة في إسرائيل أن الناخب الإسرائيلي جنح نحو التطرف واختار حكومة متشددة لن تتنازل عن الأرض وستزيد حدة الاستيطان.

فترة أوباما القادمة ستكون معنية بالهاجس الأميركي الداخلي أولا وأخيرا، وعلى البقية الاعتناء بأمورهم.. هذه هي الرسالة كما يبدو.

[email protected]