الثورة المصرية بعد عامين.. ما تحقق وما لم يتحقق

TT

ضرب الشعب المصري مثلا رائعا أثناء ثورته المجيدة في يناير 2011 في التضحية والتجرد والوحدة والوطنية، وظلت هذه الروح العالية بعد سقوط النظام الفاسد، فتجلت في إنكار الذات، والحرص على المصالح العليا، وتشكيل اللجان الشعبية للدفاع عن البلاد، والدعوة إلى مكافحة الفساد، وإعادة البناء على قواعد سليمة نظيفة.

ومع سقوط النظام، سقط معه دستوره وبرلمانه وحكومته ومجالسه المحلية، وتولى الأمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان لا بد من إعادة بناء المؤسسات الدستورية ووضع دستور جديد، والتوجه إلى تطهير المؤسسات الحكومية، وإعادة البناء في ظل الروح الوطنية الرائعة التي سادت إبان الثورة وبعدها، إلا أن هناك مجموعة من النخبة العلمانية راحوا يستعجلون تغيير هوية الأمة وينادون بحذف النص على الشريعة الإسلامية في الإعلان الدستوري، بل ذهب أحدهم إلى المطالبة بحذف الإسلام نفسه كدين رسمي للدولة، وهي الأمور التي استفزت غالبية الشعب من أجل الدفاع عن دينه وشريعته وهويته، وكان هذا أول شرخ في جدار الوحدة الوطنية، وبدلا من التفكير في البحث عن حلول لمشكلات الوطن الخطيرة، بدأ الجدل حول الدولة المدنية والدولة الدينية، في حين أن الأخيرة لم تكن مطروحة على برنامج أي حزب أو جماعة، وجرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية ثم انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى، وظهر تأييد غالبية الشعب للإسلاميين، الأمر الذي أثار حفيظة العلمانيين واليساريين وراحوا يعمقون الشرخ، يدعمهم في ذلك إعلام يمتلكه رجال أعمال من «الحزب الوطني» والعلمانيين، وظلوا يهاجمون مجلس الشعب حتى قامت المحكمة الدستورية بحله في حكم غريب مريب، وجرت انتخابات الرئاسة وانحاز عدد من أولئك العلمانيين، إضافة إلى رجال «الحزب الوطني»، إلى مرشح النظام البائد كراهة في المرشح الإسلامي، وانهمرت الأموال من الداخل والخارج لشراء الأصوات لصالح الفريق شفيق، إلا أن وعي الشعب المصري وحرصه على ثورته أديا إلى نجاح الدكتور محمد مرسي - بفضل الله - وهذا النجاح عمق الانقسام في الصف الوطني، لأن العلمانيين واليساريين يرفضون وصول الإسلاميين إلى الحكم ولو كان ذلك بإرادة الشعب الحرة في انتخابات نزيهة.

ومن هنا، بدأت معركة الإفشال، وبدأ مخطط استنزاف الدولة وتفتيت المجتمع ونشر الفوضى، وإلهاء المجتمع عن البناء بالمظاهرات العنيفة التي تمارس البلطجة والقتل والتخريب والحرق... هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أداروا معركة لإسقاط الجمعية التأسيسية من أجل عدم إصدار دستور للبلاد، فتظل البلاد في حالة فراغ دستوري وفوضى مجتمعية، شاركتهم في ذلك قوى دولية وسفاراتها لدى مصر، فانسحبوا من الجمعية التأسيسية، وضغطوا على آخرين فاستجاب لهم البعض وانسحبوا، ورفض البعض وثبتوا، وتم إنجاز الدستور وتمت الموافقة عليه بفضل الله، وعلى الفور تحولوا إلى محاولة الإفشال عن طريق التشكيك في الأوضاع الاقتصادية، وقد خلفها النظام السابق متردية، حتى يزيدوا المشكلة تعقيدا، وكلما انخفض سعر الجنيه في مقابل العملات الأجنبية ازداد فرحهم وشماتتهم، وكلما وقعت حادثة في مرفق من المرافق زادت نشوتهم وشماتتهم.

ورغم أننا الآن على أبواب انتخابات جديدة لمجلس النواب، فإننا نسمع دعوات إلى مظاهرات تستهدف إسقاط النظام وإسقاط الدستور وحل الحكومة، مغلفة بدعوة للقصاص للشهداء، ودعوات لاستخدام العنف والاعتصامات التي تعطل مصالح الناس وتهدد أمنهم، في حين أن مصر الآن تحتاج إلى هدوء واستقرار وعمل وإنتاج وصبر وأناة وبذل التضحية ووحدة وطنية حتى تعبر هذه الأزمة بسلام، وهذا ما دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وما تعمل به الآن.

والخلاصة أن ما تحقق من أهداف الثورة حتى الآن، هو إسقاط النظام السابق ورموزه ومحاكمتهم ووضعهم في السجون بأحكام قضائية، وإسقاط مؤسسات هذا النظام، وإجراء انتخابات برلمانية حرة لمجلسي الشعب والشورى شارك فيها ما يزيد على ثلاثين مليونا من المصريين لأول مرة في التاريخ، ثم انتخابات رئاسية ديمقراطية، ثم القضاء على ازدواجية السلطة بإحالة المشير والفريق عنان إلى التقاعد وإعادة الباقين إلى دورهم الطبيعي الجليل في حماية الوطن، وإقرار الدستور في استفتاء شعبي مشهود، وهذا ما تم على مستوى التحول الديمقراطي، إضافة إلى الحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد والأحزاب والإعلام والتي تستخدم، للأسف، من قبل البعض استخداما سيئا، وكذلك حرية إنشاء الأحزاب وإصدار الصحف، وإلغاء حالة الطوارئ التي ظلت مفروضة لمدة ثلاثين عاما، وتشكيل لجنة تقصي الحقائق في واقعات قتل المتظاهرين تمهيدا لمحاكمتهم محاكمة عادلة بعد أن تم طمس كثير من الأدلة وذلك من أجل تحقيق القصاص للشهداء والجرحى، كما أن المبادئ العظيمة التي تضمنها الدستور الجديد في مجالات الحقوق والحريات العامة، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وقصر مدة حكمه على أربع سنوات تجدد لمدة واحدة أخرى إذا أعيد انتخابه، والمكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي أفردها هذا الدستور للمواطنين والتي تحتاج إلى استقرار ووقت لتفعيلها على أرض الواقع، وكذلك رفع مرتبات فئات كثيرة من العاملين ووضع الديون عن الفلاحين المدينين، وطرح مشروعات قومية عملاقة تحتاج أيضا إلى استقرار وتمويل وصبر لمكافحة البطالة والفقر والأمن، وتطهير بعض مؤسسات الدولة من الفاسدين تطهيرا جزئيا، وتوفير الأمن بشكل نسبي، وتحسين التعليم أيضا بشكل نسبي، إضافة إلى الاهتمام بالسياسة الخارجية وتحسين العلاقات مع كثير من الدول، على رأسها الدول الأفريقية ودول حوض وادي النيل بصورة أخص، والاستقلال الوطني عن التبعية للولايات المتحدة، وانتهاء فترة العلاقات المتميزة مع إسرائيل، والبدء في استعادة المكانة الإقليمية لمصر في المنطقة.

أما ما لم يتحقق حتى الآن، فهو توفير الأمن الكامل في ربوع البلاد، وتطهير أجهزة الدولة من الفساد، فالدولة العميقة تضرب في جذورها، وإصلاح المرافق العامة نتيجة لعدم وجود الأموال اللازمة نظرا للنهب المنظم الذي قام به النظام البائد، وكذلك لم يتحقق رفع لمستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية لكثير من الأفراد، وبقاء مستوى البطالة، وتسرب جزء كبير من الدعم إلى غير مستحقيه. وللتغلب على ذلك، ينبغي أن نؤمن جميعا بأننا في سفينة واحدة، علينا أن نحافظ على سلامتها وندفعها للإبحار، وألا نستجيب لمخططات إسقاط الدولة التي تحرض عليها، وتنفذها قوى كثيرة، بعضها خارجي بالتخطيط والتمويل والتحريض، وبعضها داخلي بالتنفيذ. علينا أن نحترم الشعب والإرادة الشعبية باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطات، أما ما نسمعه من كبار السياسيين والعلمانيين من أنهم لن يسمحوا بإجراء الاستفتاء على الدستور، وحتى لو أقره الشعب فلن يعترفوا به وسوف يسقطونه، فهذا هو السقوط بعينه، ينبئ عن عدم احترام للقواعد الديمقراطية أيضا التي يدعون الانتساب إليها والتمسك بها، كذلك ينبغي إدانة استخدام العنف في العمل السياسي إدانة صريحة والتصدي له بكل الوسائل القانونية وعدم توفير الغطاء السياسي له، ثم التوجه إلى العمل والبناء والتعمير والمنافسة في هذا المجال ورعاية مبادئ الشرف والأخلاق والأمانة في المنافسة السياسية.