غوث اللاجئين والعجز الدولي

TT

من الحقائق العلمية أن درجة حرارة جسم الإنسان الطبيعية 37 درجة مئوية، إذا انخفضت إلى ما دون 32 تصبح حياته مهددة بالخطر. هذا ما يتعرض له اللاجئ السوري الهارب من نيران جيش بشار الأسد إلى المخيمات، أو العالق في الداخل بلا فرصة للخروج.

بتبسيط علمي، الإنسان يموت بردا إذا تعرض جسمه إلى لسعة صقيع، أو فترات برد متواصلة، وأصبح الاختلاف كبيرا بين حرارة الجسم الداخلية الثلاثينية، والخارجية التي تقارب الصفر المئوي، فيفقد الإحساس بأعصابه، خاصة في منطقة الأطراف، ويتغير لونه إلى الشحوب أو الزرقة؛ لأن أوعيته الدموية تضيق، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح خلال النقل التلفزيوني لأوضاع اللاجئين.

والأسوأ أن عبور الهواء البارد إلى مجاري التنفس لفترات طويلة، يعرض نشاط الأجهزة الحيوية كالدماغ والقلب، إلى خطر الخلل أو التوقف.

أشير إلى هذه الملاحظات ليعرف القارئ طبيعة المساعدات التي يحتاجها اللاجئون في هذا الظرف المناخي القاسي، ولماذا تظل البيوت المركبة أو ما تسمى الكرفانات، من أهم وسائل حماية اللاجئين في المناطق الباردة.

الحماية الخارجية للجسم بارتداء طبقات من الملابس الصوفية الثقيلة وتغطية الرأس، أسباب مهمة للحفاظ على حرارة الجسم الطبيعية، إلا أن هذا النوع من المساعدات يظل الأيسر؛ لأن الملابس والبطانيات أقل تكلفة وأسهل سبيلا في الوصول، أما فصل اللاجئين عن المناخ البارد فيظل العامل الرئيسي الذي يوفر أكبر قدر من الحماية التي لا توفرها الخيام التي عاش فيها اللاجئون السوريون فصول الصيف والخريف. الخيام التي تسرب تيار الهواء البارد وتستقبل مياه الأمطار تزيد من خطر الموت بردا؛ لأنها تعرض جسم الإنسان للرطوبة وتتسبب في انخفاض سريع في حرارة جسمه.

أمور رئيسية يحتاجها اللاجئون في المخيمات؛ البيوت العازلة، الغذاء، الملابس والأغطية الثقيلة، العلاج الطبي. وتزداد هذه المتطلبات أهمية مع الأطفال والمسنين الذين يتعرضون لخطر الموت بردا أكثر من غيرهم لأسباب عضوية.

في زيارة لبعض منظمات الأمم المتحدة في العام الماضي، كانت شكوى منظمات الإغاثة تتمثل في أمرين؛ التكلفة المادية للمعونات، خاصة في الأزمات ذات العمر الطويل، والثاني صعوبة الوصول إلى المحتاجين، إما لأن الضرر مصدره كوارث طبيعية كالفيضانات والزلازل، أو في حالة الحروب لأن الضحايا عادة ما يكونون طرفا مستخدما في النزاعات.

الكوارث الطبيعية رغم صعوبتها تعتبر أهون الشرين؛ لأن حكومة الدولة المتضررة تعين المنظمات الدولية على أداء عملها، أما في الحروب، كما في الحالة السورية، فيتعرض المدنيون إلى استهداف ممنهج من عسكر النظام، حتى إن برامج الإغاثة تقف عاجزة عن المساعدة.

منظمات الإغاثة الدولية لم ولن تستطيع بمفردها تلبية متطلبات اللاجئين داخل سوريا أو في المخيمات؛ لأننا نتحدث عن ملايين من المحتاجين للمعونة الطبية والغذائية، وحتى هذه المنظمات تعتمد بشكل رئيسي على ما تقدمه الدول من تبرعات تعتبر مستحقات نظير عضويتها في المجتمع الدولي.

السوريون في ظرف لا يحتمل إلقاء المسؤولية على جهة واحدة، والدول التي لم تساهم في حسم القضية السورية عسكريا أو سياسيا عليها على الأقل أن تبذل جهدا إنسانيا، بدلا من صرف الأموال على المراهنات السياسية الفارغة.

جيش بشار الأسد استهدف المناطق السكنية، خاصة في المدن الحدودية؛ ليجبر المدنيين على النزوح لدول الجوار لتعميم المشكلة السورية ورميها على كاهل دول ضعيفة اقتصاديا، كالأردن ولبنان، أو دولة مثل تركيا تنظر بعين الرأفة للاجئين ولكن عينها الأخرى تحذر من الإضرار بمصالحها الداخلية.

أين الدول العربية بكل صناديقها المالية وفروسيتها التاريخية وواجبها العروبي مما يحصل للمساكين الذين يلاحقهم رصاص نظام الأسد حتى وهم يفرون عبر الحدود؟ كيف لهم أن لا يشفقوا على موتى البرد والجوع والأمراض لشعب مقدام سطر مفاهيم في الصبر والمقاومة لم يشهد مثلها العصر الحديث؟ وكيف لا تثور الشيمة العربية لأخبار اغتصاب النساء والزج بالشرف في معركة الشارع؟

قد يكون هذا الكلام عاطفيا، ولكن أليست الثقة والعطاء والإيثار والتفاعل الإنساني عواطف نبيلة تفرق الإنسان عن الوحوش؟

لم يطفئ الغيظ من مشاهد البؤس وعذابات العبور إلى المخيمات إلا تطمينات وصلت من اللاجئين بعد استقبالهم قافلة الشتاء السعودية التي تضمنت تركيب البيوت المؤقتة التي صنعت فرقا كبيرا في واقع المخيمات، على الأقل حتى لا يجتمع هجر المجتمع الدولي للقضية السورية مع جفاء الأخوة العربية.

نعلم أن بشار الأسد ساقط سياسيا، ولكن لأن الهاوية طويلة فإنه يسقط ويجر معه ملايين المستضعفين، والأخطر من ذلك أن العالم بات يكره الحق؛ لأنه يظهر ضعيفا وعاجزا أمام قوى الشر والانتهازية.

[email protected]