الأخضر.. وبشار!

TT

لقاء بشار الأسد الأخير بالمندوب العربي الأممي الأخضر الإبراهيمي ممثل ملف سوريا وأزمتها كان لقاء صريحا وواضحا ومباشرا بحسب التسريبات الإعلامية التي تم تناقلها عنه، ولعل أهم هذه التسريبات هي ما قاله الأخضر الإبراهيمي للرئيس السوري إن عليه أن يرحل، فأجابه الرجل بإنكار تام لهول وفداحة ما يحدث بأنه لن يرحل حتى ولو أحرق دمشق كلها. ووقتها أدرك الأخضر الإبراهيمي أنه أمام رجل «مفقود منه الأمل تماما» وأنه من غير المجدي الاستمرار في الحديث معه.

والحقيقة أنه لمعرفة موقف بشار الأسد هذا لا بد من التعرف على الخلفية النفسية للرجل والتي بسببها تولدت هذه القناعات المبررة لقراراته الغريبة وغير المفهومة. بشار الأسد كان ذا طبيعة منزوية وخجولة جدا في صغره وهو الذي ولد شخصية من الممكن أن توصف بأنها مهزوزة وغير مستقرة، وهو للتذكرة لم يكن خيار والده الأول بل كان شقيقه الأكبر باسل وبعد وفاة باسل جيء به على «عجالة» وسط امتعاض وتحفظ بل واعتراض الحرس القديم المتواجد حول الأب حافظ الأسد.

وكان بشار منذ الأيام الأولى لمشروع التوريث يحاط بجملة «هو ضعيف وموهو اللي عم يدير الأمور»، فمرة كان الأمر يحسب أن الحرس القديم «هو الذي يسيطر على الحكم لضمان استمرارية نهج الأب» وبعدها خرجت أقوال بأن الحكم بات في أيدي «الأم والخال وابن الخال» وهم الذين يسيطرون على زمام الأمور سياسة واقتصادا، وبعد ذلك خرجت مقولة بأن «الأخ ماهر والصهر آصف يسيطران على الحكم في صراع محتدم بينهما». وطال الأمر أن يكون القول بإن إيران هي التي تسيطر على صناعة القرار الاستراتيجي في سوريا وأن العلاقة التي بدأت خجولة أيام الأب حافظ الأسد بين النظام الحاكم في سوريا ونظام الثورة الإيرانية تحولت إلى علاقة كاملة وواضحة على حساب كل الشعارات الفارغة التي كانت ترفع والمتعلقة بالمقاومة والممانعة والعروبة والتحرير.

وكل تلك الأقاويل لا بد أن تولد إحساسا هائلا بالذنب وعقدة نقص كبرى تتحول معها رغبة جامحة ومبالغ فيها لإثبات الذات فيتم الأمر بالمبالغة في القتل والتدمير وعدم الإنصات لصوت الحكمة والعقل واعتبار ذلك أنه «استسلام» و«ضعف» وهي مسائل حساسة جدا في عقل باطني مليء بالإرث المضطهد. بشار الأسد يدرك أن لديه «حلفاء» متمثلين في روسيا المقاومة للمد الغربي والراغبة في الحصول على ثمن الخلاص من الأسد، والصين التي تتبع الخط الروسي حفاظا على هيبتها الدبلوماسية أمام المد الغربي وإيران تحمي مشروعها الطائفي الذي بنته مع الأب لمدة أربعين سنة، وإسرائيل التي تريد جارا يؤمن حدودها بلا أرق ولا قلق كما كان الوضع عليها لعقود من الزمن حتى تحولت الجولان فيه وهي «محتلة» إلى منطقة أهدأ من منتجعات هاواي الساحرة نفسها.

ولذلك بتدمير سوريا ومدنها الممنهج يراهن بشار الأسد أن «الثمن» لمغادرته إذا تم هو أن يأتي من سيأتي بعده على سوريا مدمرة تماما تحتاج لمشروع عظيم لإعادة الإعمار يشغلها ويشغل من يحكمها لعقود من الزمان لن يلتفتوا فيه إلى مسائل تحرير الجولان أو دعم المقاومة وهو ثمن عظيم لدور قام به النظام على أكمل وجه وليس هناك من دليل على ذلك إلا رؤية أرتال النفاثات الحربية والدبابات والصواريخ وهي تقصف المدن السورية وتقتل شعبها دون أن يكون هناك رصاصة واحدة بالخطأ باتجاه الجولان ليثبت الجيش السوري أنه في واقع الأمر أنهم «حماة بشار» وليسوا حماة الديار كما يتم التغني بهم زورا وبهتانا.

ولكن سوريا بلد عظيم وشعب عظيم ففي ترابها الطاهر والمبارك يرقد العظماء من أمثال خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة وغيرهم من الشرفاء الذين بسببهم يسري في الدم السوري الشريف جينات العزة والكرامة والحرية والشرف والتي سينالونها حتما بالرغم ممن خانهم ووالى عدوهم وساعد على قتلهم وتدمير ديارهم. تكالبت عليهم الأمم وخانتهم الدول وظهر حقد من كان بالأمس ظاهره طيبا وبان خبثه من كان بالأمس يبدو مسالما.

زيادة حدود الطغيان وإظهار «صفات» الجبروت والطغيان هي علامات النهاية لكل الطغاة ولن يكون بشار الأسد بكل علله وعقده ومشاكله وجنوحه للحلول «المجنونة» بأحسن حالا من هتلر وصدام حسين والقذافي كلهم رحلوا إلى مكانهم المستحق في ظلمات التاريخ حاجزين مكانا يليق ببشار الأسد وهم بانتظاره على «نار».

الأخضر الإبراهيمي جاء بفكرة خلاص أخيرة لبشار الأسد ولكن بشار الأسد عاشق الدم فضل أن يرتوي بدماء شعبه وهنا ستكون المفاجأة والمفارقة من يضحك أخيرا.

[email protected]