اهتمامات أهل القمة وهموم أهل السفح

TT

قبل «دافوس الخليجية» متمثلة «القمة الحكومية» الاقتصادية الأولى التي تستضيفها دولة الإمارات في دبي يومي 11 و12 فبراير (شباط) 2013 ويشارك فيها نحو ألفي شخصية عربية وعالمية وتستهدف تلميع الوجه الاستثماري الذي استعاد بعض الشيء عافيته في دبي، و«دافوس الدولية» التي تستضيفها سويسرا في موسم الثلج وتأخذ طابع التنظير ورسم معالم الأحوال الاقتصادية المستقبلية في العالم، جاء انعقاد الدورة الثالثة «القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية» في الرياض يومي 21 و22 يناير (كانون الثاني) ليبعث الكثير من الطمأنينة في النفوس العربية التي أضناها الإحباط مما هو حاصل من صراعات ومغامرات من جانب أنظمة لا ترحم شعبها ولا تتقي الله في ما تفعله إزاء الوطن. وما كان لأي موضوع غير اقتصادي إدراجه في أعمال القمة لولا أن الرئيس المصري محمد مرسي الذي جاء إلى الرياض بعدما زار مثوى الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة، ثم بعد ذلك أدى العمرة وحذا حذوه في هذا الاستهلال للمشاركة الرئيس السوداني عمر البشير، خص المحنة السورية بوقفة وموقف في الكلمة المطولة التي ألقاها وكانت عبارة عن مطالعة أعدها بعناية لإضفاء بعض السكينة على الجمع المصري المعترض عليه، والذي كثف من الاعتراض لمناسبة الذكرى الثانية «ثورة 25 يناير» المتنازع على تحديد أمها وأبيها بين «الطيف الشيابي الإخواني» و«الطيف الشبابي الوطني» وبينهما الطيف الحالم بدور سياسي على مستوى القمة. وفي كلمته التي ألقاها بصفة كون مصر في شخص الرئيس مبارك ترأست الدورة الثانية معلنا تسليم رئاسة الدورة الثالثة إلى السعودية، دعا المجتمع الدولي إلى التحرك «لوقف نزيف الدم السوري وإنهاء هذه الحقبة من حكم النظام في دمشق وتمكين الشعب من اختيار قيادته». ثم تلاه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد بصفة كونه استضاف الدورة الأولى للقمة وترأسها مبديا «كل الأسى والألم للمأساة الإنسانية التي يتعرض لها أشقاؤنا في سوريا حيث آلة القتل والدمار ما زالت مستمرة في حصاد آلاف الأرواح وتدمير كل ما حولها دون تمييز ولم تحقق جهودنا وعلى كافة المستويات ما تهدف إليه من إطفاء لهيب الأزمة المشتعلة في سوريا لعدم تجاوب النظام مع كافة المبادرات على المستويين الإقليمي والدولي...». ومن الواضح أن دوافع كلمة الرئيس مرسي «إخوانية» بينما كلمة الشيخ صباح هي توضيح لدواعي استضافة الكويت «المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني للشعب السوري» يوم الأربعاء المقبل (30 يناير 2013). وهاتان الكلمتان حول المحنة السورية (كلمة الرئيس محمد مرسي وكلمة الشيخ صباح) حفزتا الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي المرجوم بأقذع المفردات من جانب الحكم السوري ردا على موقفه غير المستحب من جانب الرئيس بشار الأسد على أن يقول في كلمته، إن اتصالات المبعوث الأممي – العربي، الأخضر الإبراهيمي «لم تثمر حتى الآن أي بارقة أمل في وضع الأزمة السورية على طريق الانفراج وبدء المرحلة الانتقالية التي تقررت منذ ستة أشهر...».

ومع أن «إعلان الرياض» الذي هو بمثابة قرارات ملزمة وتكتسب أهمية كونها محددة بتواريخ على غير ما كان يحدث سابقا ومن أجل ذلك «فإن كلام الليل يمحوه النهار» على نحو قول الشاعر، خلا من أي فقرة تتعلق بالوضع السوري المأساوي، فإن ما قاله الرئيس المصري ثم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ثم الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي حول الشأن السوري وخلو مقعد سوريا في القمة بفعل العزل العربي، جعل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وبصفة كونه أيضا رئيس الوفد السعودي في القمة يجيب عن أسئلة وجهت إليه في المؤتمر الصحافي الذي تقليديا يتلو الجلسة الختامية للمؤتمر، فيقول «أُصبنا بخيبة أمل في الكثير من المرات إزاء الاتصالات التي أجريناها مع السلطات السورية على مستوى الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، وهذه المأساة زادت بعد تعيين الأخضر الإبراهيمي. نحن في مأزق كبير. ماذا يمكن أن نفعل تجاه سوريا والوضع يزداد سوءا في دمشق التي تعتبر أقدم مدينة في العالم. كيف يمكن التفاوض مع شخص دمر تاريخ بلده وشعبه. ما يحصل أمر غير مقبول لدينا. أمام الأمم المتحدة واجب رئيسي لتفعله، والمجتمع الدولي عليه القيام ومن خلال مجلس الأمن بما هو مطلوب منه. إلى أي حد سنستمر في هذه الحلقة المفرغة، نحيل القضية إلى مجلس الأمن والقضية غير قابلة للحل...».

لكن عندما يكتفى بهذا القدر البسيط من الكلام حول الموضوع السوري، ويكون التركيز داخل القمة وفي كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي ألقاها نيابة عنه ولي العهد نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي كان في ذروة التألق وهو يترأس للمرة الأولى قمة عربية شاملة بعد ترؤسه القمة الخليجية في البحرين أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2012، فقط على الجوانب الاقتصادية والتنموية، فلأن الملك عبد الله بن عبد العزيز وضمن رؤيته للأولويات يرى أن الاهتمامات الأساسية في هذه المرحلة يجب أن تشمل من جانب أهل القمة القادة العرب الذين بأيديهم اتخاذ القرارات الفاعلة والأمر متروك لضميرهم على نحو قول الأمير سعود الفيصل، الأحوال المتصلة مباشرة بالمجتمعات العربية. ومن هنا كان التركيز على طمأنة القطاع الخاص لكي يستثمر في مشاريع إنتاجية من شأنها أن تحل الضائقة عند الذين يعيشون في عسر، وعلى امتصاص متدرج للبطالة العربية التي تتصدر من حيث النسبة البطالات في العالم، وعلى انتشال بعض المائة مليون عربي الذين يعيشون إما تحت خط الفقر أو على مشارفه من وهدتهم، وذلك بإعادة ضخ الحيوية في الطبقة المتوسطة التي تزداد انخفاضا، وعلى هرولة تنموية في اتجاه أن تصبح العلاقة الاقتصادية العربية المشتركة وبالتدرج على نحو ما هي عليه العلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك أن يصار إلى علاج أبدان الملايين من العرب من أمراض تفتك بهم، وإيجاد حلول للطاقة، خصوصا أن نسبة العرب الذين لا يشكون من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي لا تتجاوز عشرة في المائة مع أننا الأمة التي لا تغيب الشمس والرياح عن سمائها وفضائها طوال أشهر السنة مما يوجب التوجه جديا نحو الطاقة الشمسية. إضافة إلى ذلك، فإن في القرارات ما أوجد الطمأنينة لمجتمع رجال الأعمال العرب ورموز أصحاب الثروات في الأمة وبما معناه أن استثماره بعد قمة عبد الله بن عبد العزيز الاقتصادية في أمان، وأنه لا موجب للخشية من عودة ظاهرة التأميمات التي ازدهرت في الماضي، ولذا فإنه بدلا من الاستثمار بالكامل في بلاد الغير في دول أوروبا أو عبر المحيط في الولايات المتحدة وغيرها، فإن بلاد العرب أولى بالاستثمار فيها أو بجزء من الاستثمارات على أنواعها.

خلاصة القول، إن أهمية قمة عبد الله بن عبد العزيز أنها تتسم بالجدية والضمانات، وأنها المرة الأولى التي تتحدد فيها واجبات وطبيعة اهتمامات أهل القمة من حكام وحكومات تجاه أهل السفح أي شعوب الأمة. وبالذات الأكثرية المحتاجة إلى من يترأف بها. كما أنها القمة التي تؤسس لعلاجات وطموحات. لكن مع ذلك فإننا لن نلمس النتائج إلا بعد سنتين وقبل انعقاد القمة الرابعة في تونس. هذا في حال كتب التوانسة فرصة الاستقرار لبلدهم، شأنهم في ذلك شأن بقية الحائرين في أمر هويتهم السياسية والاجتماعية، وبالذات الذين في أيديهم مقاليد الحكم في مصر وليبيا. ومن الآن وحتى 21 – 22 يناير 2015 فإن ضمير أهل القرار العربي، أو فلنقل بعضهم، على المحك. وأما الشعب السوري فأمره على الله.