هل هنالك فرصة؟

TT

الملك عبد الله الثاني، قرأ في التطورات الجارية في المنطقة وبشأنها فرصة موضوعية، لبدء حركة سياسية تكسر الجمود القاتل الذي يسيطر على ما كان يسمى بعملية السلام.

هذه الفرصة تتوفر من خلال احتمال تفرغ الإدارة الأميركية المتجددة تحت قيادة الرئيس باراك أوباما، لمعالجة الملف الشرق أوسطي ومفتاحه المسار الفلسطيني – الإسرائيلي.

وقد تتوفر بعد الانتخابات الإسرائيلية، أن يضطر نتنياهو إلى تأسيس تحالف حكومي مع قوى اليسار والوسط - على صعوبة ذلك - ثم من خلال الإشارات الأوروبية وخصوصا الفرنسية والبريطانية والمؤيدة من ألمانيا وأميركا، التي تنبئ عن استعداد أوروبي لبدء محاولة جديدة لفتح الملف، إذ إن أوروبا ترى خطرا مباشرا من خلال تواصل التدهور في العملية السياسية على نحو يهدد حل الدولتين بالانتهاء لمصلحة اللاحل الذي يفتح أبواب المنطقة والعالم على أخطار أكيدة، وما يجري في مالي على حدود الجزائر أحد البراهين على ذلك.

كذلك يهتم العالم وطليعته أوروبا، بالحل السياسي على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، من أجل إنقاذ استثمار متعثر كلف أوروبا مليارات الدولارات، على مدى العشرين سنة الماضية، وفي حال استمرار الوضع على خط التدهور فإن الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى نزف مليارات أخرى دون محصلة سياسية، إذ إن أوروبا التي هي الممول الأول للمشروع السياسي المسمى بعملية السلام على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي تجد نفسها منزلقة في عمل خيري أكثر منه سياسيا، في حين أن رهانها منذ أول يورو دفعته كإنفاق على مشروع السلام كان سياسيا واستراتيجيا، يهون كل بذل مادي من أجل إنجاحه.

ولا يغيب عن حسابات أوروبا ومن ورائها قوى جدية في الولايات المتحدة، واقع الطرفين الأساسيين في معادلة الحل وهما الإسرائيلي والفلسطيني؛ فالإسرائيلي المتجه بقوة نحو اليمين المتشدد، والذي يجد نفسه تحت تأثير سطوة غير مسبوقة للمستوطنين الذين لا يشبعون من القضم اليومي للأرض الفلسطينية، هذا الإسرائيلي وخلال سنوات قليلة قد لا تتجاوز الأربع، سيفرض على الأرض واقعا يصعب هضمه أو احتواؤه في أي عملية سياسية فيها بعض التوازن المعقول، لذا فإن هذا الاتجاه الإسرائيلي المغامر والمدمر بات بحاجة إلى فرملة دولية، إن لم تؤدِ إلى بلوغ حل للصراع، فهي تحافظ على الهامش المتبقي لإمكانيات استئناف المفاوضات.

الجهد الأوروبي يلقى تشجيعا قويا من داخل إسرائيل، وحين يظهر بجلاء أنه مدعوم من الولايات المتحدة فإنه سيسهم بصورة جدية في دعم القوى المعتدلة في إسرائيل، كي لا تقع الدولة العبرية وبصورة حاسمة في قبضة اليمين المتشدد وبرامجه الاستيطانية والعسكرية.

أما الواقع الفلسطيني، الذي رغم ضعفه وتعبه الظاهر يظل أكثر تعاونا مع أوروبا، وأكثر استعدادا لقبول مبادراتها، فهو يبدو في جاهزية معقولة للانخراط في أي جهد تقوده أوروبا، خصوصا إذا ما دعم هذا الجهد من الرباعية الدولية التي هي بمثابة المنطقة الحرة للولايات المتحدة.

الفلسطينيون سواء في عهد عرفات أو عهد عباس ورغم كل ما أحاط بمواقفهم من التباس مرده الخطأ في بعض الأحيان، والتضليل الإسرائيلي في معظم الأحيان، قدموا للحل مبادرات وموافقات أكثر بكثير مما قدمه الإسرائيليون، حتى قيل وعلى لسان الرجل الأعقل في هذه الحقبة شيمعون بيريس.. كان خطأ اغتيال عرفات وخطأ أكثر بداهة عدم اعتبار عباس شريكا.

إذن العقل السياسي السليم يتفق مع رؤية الملك الأردني بأن هنالك فرصة موضوعية، إلا أن ما يدعو إلى القلق والخشية هو قلة موضوعية الطبقة السياسية في إسرائيل، التي يعتبر أصحاب القرار الرسمي فيها بناء منزل في معاليه أدوميم أهم ألف مرة من العيش بسلام وأمن مع الجوار الفلسطيني والعربي وعمقه الإسلامي والدولي الأوسع، ويعتبر يمينها الحاكم توجيه كل الأنظار لإيران أكثر أهمية من الانتباه للجار الأقرب الفلسطيني والعربي الجاهز لحل سياسي متوازن، دون أن يسهب في شرح كيف أن مئات المستوطنين في الانتخابات النيابية يمكن أن يقلبوا الميزان الموضوعي لمصلحة ميزان خاص يعتمده اليمين الإسرائيلي ويضعه فوق كل الاعتبارات.