نهايات متشابهة مثل بداياتها

TT

هذا هو كلام الصورة التي أمامكم: عنف الحاكم ضد الناس، وعنف الناس ضد الحاكم، وعنف الناس ضد الناس. في مصر، في العراق، وفي الأتون السوري. وسبب هذا المشهد المريع والمتسع باطراد، هو أن الفرقاء الثلاثة تواطأوا منذ البداية على اعتبار العنف والإلغاء والاستبداد حلا، وليس شرا يستولد الشرور والخراب ودوام الحروب.

ولم تتدخل المؤسسة الأخلاقية الكبرى في المجتمعات العربية، لكي تقول إن العنف جريمة، فرديا كان أو جماعيا. تحولت شوارع العواصم إلى مذابح يومية ولم يصدر استنكار للغة القتل. تحولت الأحزمة الناسفة إلى لغة التحاور الوحيدة ولم يجرؤ أحد على القول إن من يصنع جحيم الأرض جزاؤه الجحيم الأخير. كل فريق رأى في سياسة القتل الأعمى مخرجا قد يلجأ إليه عند الحاجة، فاحتاط لذلك بالصمت.

هذا العنف المنبسط على مدى الأمة هو النتيجة الطبيعية للصمت الغامض أو الصمت الجاهل أو الصمت الخبيث. منذ نصف قرن لم يعرف هذا المواطن البائس والمتعب سوى لغة العنف وتعابير العنف وألفاظ العنف. لذلك تحولت الشعوب العربية إلى آلات حسابية تحصي كل يوم أعداد القتلى والجرحى والأطفال الذين يسيرون حفاة على الثلوج، من دون أي رد فعل بحل شيء متوقع، وربما منتظر، أيضا، حريق القاهرة وحريق دمشق ورماد حلب وجنون بورسعيد.

أدمن العرب أخبار الدماء ومشاهد لم الجثث عن الطرقات. وأدمنوا مشهد الحرائق جوا وبرا، والآن بحرا في منطقة القناة. واعتادوا على بعض قادتهم ينظرون إلى شعوبهم ويهتفون: إرهابيون. قتل 60 ألف إرهابي في سوريا خلال عامين، والعراق لا يحصي أعدادهم لأن نوري المالكي منهمك في تثبيت «دولة القانون»، فوق رؤوس الجميع.

جاء عبد الكريم قاسم بالعنف وذهب بالرصاص أمام أعين عبد السلام عارف الذي قضى «بحادث» مروحية، بينما قضى بقية الرفاق دون سؤال كيف ولماذا قضوا أو مضوا. وكان آخر أبطال «قصر النهاية» صدام حسين الذي انتهت به رحلة العنف معلقا. القذافي كان يشنق الطلاب في حرم الجامعة ويترك لرئيسة الحرس أن تشد من يصارع الموت، من ساقيه. كأن تقول شدة الرحمة بدلا من رصاصة الرحمة، فلما حل عقابه كان جزاؤه فظيعا.

أول ما قاله الرئيس محمد مرسي للمصريين أنه لا يمكن الطعن على قراراته، فإذا به يخرج من داره من الباب الخلفي. نقلنا الستالينية بأمانة وتفوق، بينما كان الاتحاد السوفياتي يدفن تماثيل ستالين ويمنع اسمه من اللغة. رفضنا أن نصدق أن الجريمة الجماعية مثل الجريمة الفردية «لا تفيد». من منا يعرف دولة بناها العنف؟ من منا يعرف شعبا بنى الحياة بالموت؟ حتى النبات يحتاج إلى أن يتنفس. حتى الأزهار تنتعش بالرعاية. ما هذا المشهد العربي المفزع؟