التحالف بين الكرد والقائمة العراقية.. ضرورة

TT

كادت القوى السياسية السنية العربية وعلى رأسها القائمة العراقية تنسى الجرائم التي ارتكبت بحقها من مجازر وملاحقات قضائية كيدية وتعذيب في السجون والمعتقلات على يد التحالف الوطني «الشيعي» الحاكم، وكادت تنسى ما تتعرض له من تهميش وإقصاء في إصدار القرارات المصيرية للبلاد، وتنسى المادة الرابعة (الإرهاب) سيئة الصيت التي دأب هذا التحالف وأهم قادته، رئيس الوزراء نوري المالكي، على إشهارها في وجه زعمائها وقادتها البارزين «حصريا».. كادت تنسى كل هذا وتفتح صفحة جديدة مع رئيس الوزراء من أجل الصالح العام، ولكي يخرج العراق من عنق الزجاجة ويتخلص من أزماته التي لا تنتهي، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الانجرار وراء دعوته العروبية الجديدة والسير خلف قيادته «الرشيدة» وقواته الحاشدة لتحرير الأراضي العربية من الاستعمار الكردي الغاشم!

وصلت عملية الخداع إلى أوجها عندما أعلن المالكي في مشهد تمثيلي عن خروجه من التحالف «الاستراتيجي» الذي ربطه بالأكراد لسنوات، وبعد أن استنفد منه أغراضه السياسية في ترسيخ حكمه الطائفي.. واستطاع المالكي بهذه الخطوة أن يغرر بالكثير من السنة العرب وبعض قياداتهم والكتاب المحسوبين عليهم، وكادوا يتوجونه بطلا قوميا، على غرار ما فعلوه مع صدام حسين، ولكن فجأة يقع «البطل العروبي الجديد» في خطأ سياسي قاتل أفاق منه قادة «العراقية» والمكون السني بسرعة وبدأوا يلملمون أنفسهم وينتفضون من غفلتهم ويدركون أبعاد المؤامرة التي تحاك ضدهم. والخطأ الكبير الذي اقترفه رئيس الوزراء ضمن أخطائه الكثيرة التي قام بها هو أنه هاجم منزل ومكتب وزير المالية والقيادي البارز في القائمة العراقية رافع العيساوي، وألقى القبض على حمايته وحراسه بصورة مهينة أعادت إلى الأذهان فورا ما قام به سابقا ضد قادة القائمة، بدءا بنوابها محمد الدايني وناصر الجنابي وانتهاء بنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وغيرهم، الأمر الذي دفعهم إلى استشعار الخطر المحدق بهم وإدراك أن المالكي يخطط إلى إخلاء الساحة السياسية من وجودهم وإنهاء دورهم السياسي في البلد.

لم يكن إعلان ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي عن فرط تحالفه مع الأكراد إلا تحصيل حاصل، لأن الأكراد كانوا قد قرروا عمليا إنهاء هذا التحالف العقيم الذي لم يجلب لهم غير هدر الوقت وإضاعة الفرص لإعادة صياغة علاقاتهم مع قوى سياسية أخرى على أساس المصالح المشتركة، والأكراد هم من بادروا إلى قطع العلاقة مع «دولة القانون» عندما آووا الهاشمي المتهم بالإرهاب ورفضوا تسليمه إلى بغداد، وكذلك عندما أظهروا تأييدهم الكامل للشعب السوري المظلوم ضد حكم بشار الأسد، في خطوة عدتها حكومة المالكي عدوانية ومناهضة لتوجهاته الطائفية الرسمية المؤيدة لهذا النظام السوري المتهاوي.

ما قام به الأكراد من اتخاذ موقف صارم ضد الحكومة «الإقصائية» في بغداد، وما سبقه من خطوات باتجاه تطبيع العلاقة مع كتلة «الحدباء» في الموصل والتوصل معها إلى حل توافقي، كان يمثل إشارات واضحة وقوية للقائمة العراقية والمكون السني العربي بشكل عام، على ضرورة العمل في جبهة موحدة، وعقد تحالف يقوم على نقاط التقاء ومشتركات، وهي كثيرة، أكثر من المشتركات التي تربط الأحزاب والقوى الشيعية بالكرد، تبدأ من الجغرافيا الموحدة والحدود المتداخلة والحالة الاجتماعية المشتركة من زواج ومصاهرة والحركة التجارية المزدهرة وقضية الأراضي المتنازع عليها القائمة بين الجانبين، وتنتهي بالانتماء المذهبي الواحد. ومهما تجنبنا الخوض في مسألة شائكة وحساسة مثل الطائفية وابتعدنا عنها، فإننا نلمسها من خلال الواقع السياسي للعراق وعبر سياسة حكومة المالكي المتواصلة تجاه قوى سياسية سنية بشقيها الكردي والعربي.

وعلى ضوء المبادرات الجريئة التي طرحها الأكراد والتضحيات الجسيمة التي قدموها من أجل الخروج من مظلة التحالف الوطني ووصايا المالكي، فإن الكرة الآن في ملعب القوى السياسية السنية والقائمة العراقية على وجه الخصوص، لتظهر نواياها الصادقة في التقارب مع الكرد، وعقد تحالف معهم، لعل وعسى أن يكون سبيلا للخروج من الأزمات الخانقة في العراق وسدا منيعا في وجه الديكتاتورية التي يراد لها أن تنشأ على أساس طائفي.