دكتور الحقني!!

TT

لم يعقد الرئيس محمد مرسي لقاء مع المثقفين في المعرض الدولي للكتاب الذي افتتح قبل أيام. البعض قال إن هناك مقاطعة تم الاتفاق عليها بين عدد من كبار الأدباء هي التي دفعت رئيس الجمهورية إلى التراجع عن توجيه الدعوة، حيث قرر أن يعتذر قبل أن يعتذروا (يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به). لا أتصور بالمناسبة أن هذا الخبر صحيح، فلم نتعود من المثقفين أن يتوحدوا على قرار حتى ولو كان مجرد دعوة عشاء. أعتقد أن هناك تخوفا ما استشعرته الدائرة القريبة من الرئيس فتحسبت من أن تحاصر أسئلة المثقفين الرئيس لتتهمه بالانحياز فقط لأهله وعشيرته بينما لا نصيب من «الحنية» والدفء لباقي أطياف الأهل والعشيرة.

كان الرئيس قد التقى من قبل بعدد من الفنانين والمثقفين بعد توليه الرئاسة في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له إلهام شاهين من أحد السلفيين، ويومها تحدث أكثر من أديب وصحافي معلنا تخوفه من الأخونة، وكان الرئيس كعادته ينكر. أتصور أن المثقفين كانوا هذه المرة سيواجهونه بالعديد من الوقائع التي تؤكد تسارع إيقاع النظام لتمكين «الإخوان» في كل مفاصل الدولة. كان مبارك يحرص أثناء حكمه على لقاء عدد من المثقفين، وفي العادة تختار الدولة المثقف المعقم الذي يعرف أن دوره هو توجيه أكبر قسط من الطبطبة والدلع للرئيس، أما السلبيات فإنها قد تصل للحاشية؛ لكنها أبدا لا تطال الرئيس. الحقيقة أن العديدين ممن يتصدرون الآن مشهد المعارضة كانوا متخصصين في نفاق مبارك؛ بل إن لقاءه بعشرة مثقفين، الذي سبق إجباره على التنحي بأشهر قليلة، لو رجعت للوثائق بشأنه ستجد أن الكثيرين ممن يعلنون الآن أنهم قالوا وانتقدوا وهاجموا لم يعرفوا إلا النفاق في حضرة الحاكم. سألت واحدا من العشرة هل مثلا انتقد أحد التوريث أو الفساد، فقال لي إن هناك كلمات قيلت يخجل من تكرارها. لم يجرؤ أي منهم حتى الآن على أن يروي التفاصيل - بمن فيهم هذا الأديب - كل منهم في الحقيقة صار يخشى أن يقول شيئا فيجد من يكذبه، كانوا يتنافسون في النفاق، أو في الحد الأدنى كانوا صامتين في حضرة الرئيس، لأن المطلوب وقتها مقابل دعوتهم للقاء الرئيس هو أن يعلنوا للرأي العام أنه بصحة جيدة وسريع البديهة وابن بلد، وهو ما تبارى أغلبهم في إعلانه.

السلطة الإخوانية ليست لديها حتى الآن القدرة على انتقاء عدد كاف من هؤلاء ليصبحوا رجالها. نعم بعض الإعلاميين والمثقفين مستعدون كالعادة لتلبية المطلوب، فهم دائما جاهزون، ولا تزال الدولة من خلال مجلس الشورى مهيمنة على الصحف القومية، كما أن وزير الإعلام يراجع بنفسه كل اللقاءات التلفزيونية في ماسبيرو، وسبق أن قدم مؤخرا للتحقيق مذيعا أحرج بالأسئلة أحد الوزراء، بينما الشؤون القانونية تفرغت لإحالة أكثر من مذيع ومقدم برامج للتحقيق بحجة الخروج عن النص المتفق عليه، على الرغم من أن مقدم البرامج الناجح هو الذي يعرف تحديدا متى يخرج عن النص المتفق عليه.

حتى الآن لم يفرز النظام الإخواني رجاله من المثقفين والفنانين والإعلاميين، نعم لديه من يدافع عنه؛ لكنه لم يحط نفسه بأسماء من الكبار مثلما كان يفعل مثلا كل الرؤساء الذين تعاقبوا على سدة الحكم طوال ستين عاما.

الدنيا تغيرت، ولا أتصور أن الناس يتقبلون بسهولة هذا المثقف الذي يرقص على كل الإيقاعات مرتديا كل الأقنعة. لقد سبق الحس الشعبي هؤلاء المتأخونين محذرا عندما أطلق هذا الإفيه الساخر «دكتور الحقني.. أنا مش إخوان صدقني»!!