مصر موجوعة و«الدكتور» غائب!

TT

المصريون قاموا بثورتهم في 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011 لأسباب مختلفة، وهي أسباب باتت معروفة ولا داعي لإعادة ذكرها وتكرارها مجددا، ولكن من الأسباب المهمة التي أدت إلى غضب المصريين وثورتهم، قناعتهم أن حسني مبارك يحكم لصالح فئة محددة بعينها؛ ابنه وزوجته وبعض رجال الأعمال النافذين، وبالتالي ففي أذهان المصريين أن الرجل لم يعد يحكم لصالح البلد بأكمله ولا الشعب ككل ولكنه لصالح فئة محددة. واليوم قطاع كبير وغير بسيط من الشعب المصري لديه قناعة كبيرة أن الرئيس محمد مرسي يمثل «جماعته» و«عشيرته» كما يحب أن يسميها في خطاباته التي يلقيها، وبالتالي فأولوياته ستكون في ما يهم جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، الواجهة السياسية الرسمية لجماعة الإخوان، وهذا يفسر «الحساسية» الهائلة وسوء الظن الذي تولد بقوة بعد قرارات الرئيس مرسي الشهيرة الخاصة بالنائب العام والإعلان الدستوري، والتي فسرها وفهمها الكثيرون على أنها محاولة هيمنة من قبل الرئاسة في مصر على مرافق الدولة كافة وإلغاء أي نوع من الوجود الشرعي والدستوري في البلاد الذي يتيح الفرصة للتوازن بين القوى المختلفة في البلاد.

ومن المؤسف أن تأتي الذكرى الثانية لثورة يناير ومصر في حالة تخبط وهناك فجوة بين الحكم والشعب، والبلاد أبعد ما تكون عن الإدارة الرشيدة في الحكومة، فهناك قناعة لدى فريق عريض من المصريين أن رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل غير قادر على إدارة زمام الأمور وبعث الثقة والطمأنينة في نفوس الشعب والمجتمع الدولي والمستثمرين، وقد وجهت النصيحة تلو الأخرى للدكتور مرسي بضرورة الإتيان بشخصية قوية وتوافقية ويكون اختيارها بناء على الكفاءة والجدارة والقدرات وليس بناء على الولاء والانتماء، ولكن تلك النصائح لم تلق التجاوب وكأن الناس يسترجعون أيام الرئيس السابق حينما كانوا ينصحونه بتغيير بعض الشخصيات الجدلية وكان مبارك «يعاند» ويصر على إبقائها مما ولد إحساسا لدى الناس أن الرئيس مبارك لا يهمه رأي الناس ولا رضاؤهم ولكن المهم ألا يظهر بأنه يتنازل عن رأيه، واليوم يرى الناس نتاج هذا التصادم المتزايد بين قطاع متنام من الشعب ضد الحكومة التي تستمر في «تجريم» و«تخوين» و«التشكيك» في المعارضة وتعتبرهم «فلولا» و«بقايا»، وغيرها من المفردات المستفزة، فبدلا من أن تحتوي «الثورة» مصر والمصريين وتضم الفرقاء كافة في حكومة وحدة وطنية، استمر نهج التخوين في التصعيد واستمر الأمر في تقسيم المجتمع إلى فسطاطين بشكل خطير، «فإما أن تكونوا معنا أو أنتم ضدنا».

اليوم هناك أزمة ثقة بين مرسي والمصريين، بل بين مرسي وأكثر من دولة عربية، فقراراته كانت صادمة لمؤيديه في الأردن والكويت وهي التي أدت إلى انتكاسة لهم ظهرت في نتائج الانتخابات البرلمانية التي «آثروا» الانسحاب منها لأسباب استراتيجية، لأن حجم القبول في الشارع بات مشكوكا فيه. واليوم مع كتابة هذه السطور كانت أعداد القتلى والجرحى في مدينة بورسعيد تتواصل بشكل مفجع وينذر بكارثة مستمرة ويؤكد أن مصر بحاجة إلى قرارات صعبة ومهمة على أعلى مستوى، وأن «العلاج» المؤقت الذي كانت تدار به الأمور لم يعد ممكنا، وأن مصر بحجمها وقوتها وتأثيرها سيكون لتدهور الأمور فيها أبعاد خطيرة جدا. الاقتصاد المصري يدخل بالتدريج مراحل الخطر الشديد، وتدهور العملة المصرية مقابل الدولار بات في مرحلة لا يمكن إعادتها إلى ما كانت عليه الأمور من قبل، والسياحة في مستويات متدنية غير مسبوقة والبطالة تتصاعد، والاستثمارات لا تكاد تذكر، والتضخم لم يعد من الممكن اللحاق بمعدلاته المتواصلة الارتفاع. تبسيط الأمور وتسطيحها بأن وراء كل ما يحدث في مصر مؤامرة من الفلول وبقايا النظام القديم، مسألة صعب أن تصدق وأن تهضم، ولكن الحقيقة أن هناك خللا في قدرة النظام على إدارته للبلاد، فالذي يحرص على المصريين كافة لا يخون ولا يشكك في أعداد كبيرة منهم لها رأي آخر. بناء جسور من الثقة وتكريس الإحساس بالأمان ضرورة حتى يكون البناء سليما ومستمرا.

مصر تتألم والدواء موجود ولكن «الدكتور» لا يسمع.

[email protected]