الإرادة الثابتة بوابة انتصار الثورة السورية

TT

إن الأحداث المأساوية التي تدور في سوريا وردود الفعل المتضاربة والمتناحرة من قبل المجتمع الدولي عليها تدعونا إلى الاستغراب والتساؤل لما شكلته هذه الأحداث من خروج عن نطاق التاريخ الإنساني المعاصر.

أحداث ووقائع فريدة في نمطها وأسلوبها، شكلت سابقة خطيرة وظاهرة غريبة في تجاوز حدود القتل والتدمير الذي تنتهجه السلطة الديكتاتورية الحاكمة في سوريا ضد شعبها. وعلى الرغم من تجاوز هذه السلطة لكل المحرمات والمقدسات الإنسانية والاجتماعية والدينية والأخلاقية، ما زلنا نجد دولا تؤيد وتدعم النظام السوري بكل إمكانياتها المالية والعسكرية والاقتصادية للاستمرار في نهجه الدموي بحق الشعب السوري البطل، ودولا أخرى متفرجة على ما يدور من أحداث مأساوية، لكنها مشجعة على متابعة تصفية ثورة الشعب السوري الحر، وأخرى صامتة لا تملك الشجاعة والجرأة على اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة لصالح الشعب السوري في نضاله ضد سلطة القمع والقتل لنيل حريته واستعادة كرامته.

لو أخذنا مثالا على مدى التخاذل والاستهتار بالدم السوري فمن خلال ما حصل أثناء مجزرة جامعة حلب بتاريخ 15 – 1 - 2013 التي راح ضحيتها أكثر من ثمانين طالبا وكيف تم تجاهل هذه المجزرة من قبل كثير من وسائل الإعلام العالمية، والتي لم يتطرق إليها أحد لا من قريب ولا من بعيد. إن الاستهتار بالدم السوري أصبح يدعو إلى الحيرة والقلق. على سبيل المثال لو مات في أحد المختبرات الطبية في أوروبا من دون سبب كل يوم عدد من الفئران لا يساوي عدد الضحايا التي تسقط في سوريا، لتحركت كثير من المنظمات الدولية وجمعيات الرفق بالحيوان استنكارا لما يحصل في هذا المختبر.

الآن وبعد نحو عشرين شهرا على انطلاق الثورة السورية المباركة ما زالت السلطة الديكتاتورية الحاكمة في سوريا تتبع نفس الطريقة والأسلوب المشين في قتل الشعب السوري وتدمير بنيته التحتية.. هي لم تنظر يوما ما إلى الشعب السوري بكافة فئاته وأطيافه بقدر من الاحترام والمساواة، ولذلك لا يهمها قصف المدنيين مهما كانت آراؤهم ومشاربهم الفكرية، سواء الذين يقطنون في المناطق التي تحررت وأصبحت خاضعة للجيش الحر أو هؤلاء المدنيين الذين لا يزالون يعيشون حياة القهر والإذلال تحت هيمنتها القمعية للحريات والعدالة والمساواة بانتظار تحريرهم من بطش النظام وأجهزته الأمنية ليشاركوا إخوانهم في الوطن أهازيج الفرح والنصر والتحرر.

إن الادعاءات التي تحاول السلطة الديكتاتورية الحاكمة تسويقها داخليا وخارجيا باتت مكشوفة للقاصي والداني، حيث لم يعد بإمكانه تزييف الحقائق والأدلة وتغيير آراء وقناعات الشعب السوري بمن يرتكبها ويقف وراءها.. هو يعلم تماما من لديه الجرأة والثقافة الأمنية والمخابراتية في اضطهاد الشعب السوري على مدى 40 عاما من الاعتقالات وتكميم الأفواه واحتكار السلطة ونهب خيرات الشعب السوري.. هذا الشعب يعلم تماما ويدرك من يقوم باستباحة المحرمات وتفجير المخابز والمستشفيات ومحطات توليد الطاقة وأنابيب المياه وكل المرافق الحيوية التي يحتاجها الشعب السوري بشكل يومي للضغط عليه، عله يغير من قناعاته تجاه النظام الدموي.. ولعل الجرم الفاضح في قصف المدينة الجامعية ومنطقة المحافظة في مدينة حلب خير دليل على مدى الوهن والضعف الذي وصل إليه هذا النظام الذي لا يميز في إجرامه بين أبناء الشعب السوري، سواء في المناطق المحررة أو المناطق التي ما زال يهيمن عليها قسرا ويدعي ولاءها إليه.

إن معظم دول العالم النافذة سياسيا وعسكريا توجد وتنشط أمنيا في الساحة السورية حاليا وتعلم أدق التفاصيل عما يجري هناك، ولو أرادت هذه الدول أن تقدم الدعم والمساعدة للثورة السورية حتى تحقق أهدافها في النصر بأسرع وقت ممكن لوفرت الأسباب والمبررات لذلك كما حدث في الساحة الليبية والتدخل الحالي في شمال مالي، لكن التخاذل الدولي في دعم الثورة السورية لأسباب مختلفة تجعله يبحث دائما عن الذرائع والحجج لكي يبرر عدم دعمه لها ميدانيا وإبقاء صفة الدعم إعلاميا وسياسيا فقط. في الحقيقة لا يخفى على المرء نهائيا النيات الحقيقية لبعض الدول التي تدعي انتماءها لنادي «أصدقاء الشعب السوري».. هم لا يريدون أن تنتصر الثورة السورية بالسهولة والسرعة المطلوبة، وذلك لاعتبارات كثيرة ومختلفة، حيث لكل أسبابه ودوافعه الشخصية والسياسية والاقتصادية والعسكرية من ناحية، ولكن الأهم أن لا تشكل هذه الثورة حافزا وقدوة للشعوب المقهورة للانتفاض من أجل حريتها وكرامتها.

لم تحصل الثورة السورية حتى يومنا هذا على الدعم الكافي من الدول المعنية بالشأن السوري على الرغم من كل الوعود والتصريحات ووجود كل المبررات الإنسانية لهذا الدعم. إن التردد الدولي والإقليمي في دعم الثورة السورية بما يضمن تحقيق أهدافها والتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة بضرورة إسقاط النظام ورموزه الحاكمة وتحويل القضية السورية إلى ملفات إنسانية فقط في أروقة المؤتمرات الدولية «نازحين ولاجئين» سيطيل في عمر الأزمة السورية واستنزاف طاقات الشعب السوري حتى النهاية مما سيؤدي إلى استفحال هيمنة المجموعات الثورية المسلحة التي تشكلت بعد انطلاق الثورة السورية على الحياة المدنية وصعوبة وضعها تحت قيادة سياسية في المرحلة اللاحقة.

إن نجاح الثورة السورية يتوقف على عاملين مهمين هما الدعم الحقيقي والمطلق من جانب الدول العربية والدول الصديقة للشعب السوري في تأمين ضرورات صموده ونضاله سياسيا وعسكريا وماليا ضد السلطة الديكتاتورية الحاكمة حتى تحقيق النصر، إضافة إلى المساهمة الحقيقية في تشكيل حكومة انتقالية واسعة تضيق الخناق على السلطة الديكتاتورية الحاكمة بشكل عملي وفعلي، سياسيا ودبلوماسيا وماليا. هذه الحكومة تضم كل أطياف المعارضة السياسية والعسكرية في الداخل والخارج بما يضمن التمثيل الحقيقي لأطياف الشعب السوري بكافة فئاته والعمل الجاد على إعادة بناء الوطن والمجتمع السوري برؤية وطنية جديدة عصرية متطورة بعيدة عن التجاذبات والمصالح الدولية.

عاجلا أم آجلا ستنتصر الثورة السورية رغم كل مؤامرات الغدر التي تحيط بها. أما الإجرام الفظيع الذي تقوم به السلطة الديكتاتورية هناك والذي لم يشهد له التاريخ مثيلا، سيطيل عمر النظام في سوريا وسيزيد الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري من أجل حريته وكرامته من دماء وشهداء ودمار ومعاناة، ولكن ما تقوله لنا التجارب العالمية وما تعلمناه من التاريخ هو أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الشعوب ستنتصر في آخر المطاف مهما طال الزمن. والسؤال هنا، هل هناك من يعتبر؟!

* نائب ألماني سابق من أصل سوري