في تحريف الأحرف

TT

كتب الراحل العزيز أنيس منصور مرة عن فيلسوفه المفضل سورين كيركغورد، فعلقت في اليوم التالي أن اللفظ الصحيح هو كيركغارد. وغضب الأنيس من التعدي على عرينه الفلسفي، فعاد يؤكد بحدة أن الصحيح هو كيركغورد. كان قد بقي في ذاكرتي من أيام الصبا أن الفيلسوف الدنماركي يلفظ اسمه بالفتح لا بالضم، ذلك من قراءة كتاب عن الفلسفة بعنوان «الصراع في الوجود»، صادر عن «دار المعارف» في مصر.

عدت إلى الكتاب فوجدت أن أنيس على حق، وأن الذي علق في ذهني خطأ، رغم أنني أعود إلى قراءة كيركغورد كل صيف، لكونه منهلا فكريا وأخلاقيا لا ينضب. وقد اعتدنا استخدام كلمة نهل بمعنى السعة والعمق. غير أن يوسف الشيراوي، المتعدد الثقافات، لفتني مرة إلى أن النهل هو الشربة الأولى من المياه، وما تلاها ليس كذلك.

حاولت أن أعرف لماذا غير الأقدمون في لفظ الأسماء الأعجمية، وكيف يصبح، مثلا: «أوليس» «عوليس»، والعين حرف لا وجود له في الأصل اليوناني أو في الإنجليزية والفرنسية. وعدت إلى المقدمة التي وضعها سليمان البستاني لملحمة «الإلياذة»، أوائل القرن الماضي، فوجدته يشكو أيضا ممن سبقوه، إذ تصرفوا في تعريب الأسماء وليس في نقلها. والتعريب هو التوسع في الترجمة، وقد يصح، أو يفرض نفسه في مقام النصوص، لكن لا معنى له في سرد الأسماء العلم.

وقد لاحظ ناصيف اليازجي أواخر القرن التاسع عشر أن بعض المترجمين يصرون على تعريب الأحرف التي لا وجود لها في اللغة. وكان بهاء الدين العاملي، صاحب «الكشكول»، ينتقد أصحاب هذه المدرسة. ويؤدي إهمال الدقة إلى إساءة اللفظ العربي نفسه. وقد سمى الدكتور زياد دريس هؤلاء، «الناطقين بلغة الضاد». ولعله يقصد خصوصا العرب الثائرين بالحوارات الأعجمية.

هل الدقة في الأسماء مهمة إلى هذا الحد؟ لا. ليس إلى هذا الحد، ولكنها مهمة. ويجب أن أستدرك بأن العرب ليسوا وحدهم في ذلك. فالفرنسيون يفرنسون الأسماء العلم والإنجليز يمطون في لفظها ويضيفون إليها أحرفا صوتية، أيضا كما في «أوليس»، التي تصبح «يوليسوس». لكن لديهم الآن مكتبا خاصا في الـ«بي بي سي» لضبط كل اسم يرد في الأخبار، بحيث يلفظ تماما كما هو في بلده. أي وفق الأصول «الكشكولية».