نظارات «الست» هيلاري كلينتون

TT

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وهي تعيش آخر عهدها بالخارجية، بعد معاناة صحية، تجسد معنويا وحسيا انكسار وهزال السياسة الأميركية «الأوبامية»، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.

لا يتمنى المرء إلا الصحة والاستقرار للسيدة هيلاري، ككل البشر، ولكن لا يستطيع المرء مقاومة إغراء المقارنة بين الأخبار الصحية للسيدة هيلاري والسياسة الخارجية الأوبامية.

تقول الأخبار الأخيرة إن بصر وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد تحسن، بفضل النظارات الجديدة التي باتت تضعها منذ عودتها إلى الساحة العامة منذ شهر، بعد نقلها إلى المستشفى لمشكلات صحية.

وحسب «العربية نت»، تعليقا على ما قاله الإعلام الأميركي، فإن طبيب عيون لبنانيا شهيرا مقيما في بلجيكا، طلب عدم ذكر اسمه, أكد بعد اطلاعه على صور كلينتون بالنظارات, وعلى ما ورد بشأنها في الإعلام الأميركي, أن هيلاري كلينتون «مصابة بازدواج الرؤية على الأرجح, لكنها ليست حولاء تماما, بل قد تصبح كذلك إذا لم تنفع النظارات أو العلاج المتوافر بإعادة نظرها إلى ما كان عليه سابقا».

وكانت كلينتون قد دخلت المستشفى إثر أزمة حادة في الدماغ، بعد جلطة أو شبهة جلطة.

بعد تعافي السيدة كلينتون، حضرت مؤخرا جلسة الكونغرس للإجابة عن أسئلة النواب عن السياسة الخارجية الأميركية، وتحديدا التعامل مع الملف الأمني في منطقة الشرق الأوسط.

في الجلسة، قالت هيلاري كلينتون لدى مثولها أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس إن «الثورات العربية التي حدثت في موجة ما سمي بالربيع العربي خلفت ترديا أمنيا في منطقة شمال أفريقيا ودول الساحل، وإن الجماعات الإرهابية التي تمت مطاردتها في أفغانستان وباكستان أعادت الانتشار في تلك الدول التي تعرف مشكلات أمنية بفعل ديمقراطيتها الناشئة، ولكن واشنطن بحاجة إلى استغلال الفرصة، وهي لم تكن تنتظر حدوث التغييرات الكبيرة التي جاءت بها الثورات العربية، لكنها لا تريد التفريط في مكتسباتها التي تحققت في الحرب على الإرهاب».

وردا على سؤال محدد من السيناتور بوب كوركر الجمهوري من ولاية تينيسي عن عدم التحضير لحماية السفير الأميركي لدى ليبيا مما أدى إلى مقتله في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، قالت هيلاري كلينتون إن «موجة الربيع العربي التي ضربت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تكن واشنطن تتوقعها، لكنها فرصة كبيرة ومناسبة سانحة، كما أنها خطر جدي محدق ببلادنا».

هكذا بكل صياغة مأزومة: فرصة كبيرة وخطر جدي محدق!

والحق أنه يحمد للثقافة السياسية في الغرب، وأميركا في الذروة منها، ثقافة الاعتراف والمراجعة النقدية المستمرة للذات، خصوصا مع وجود أجهزة مراقبة وتصويب مستمرة، سواء في المؤسسات البرلمانية، أو في الإعلام، أو في منظمات المجتمع المدني.

هذا يذكر فيشكر، لكن الشيء المخيف في الحراك الغربي، والأميركي تحديدا، هو قوة الأدوات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تملكها أميركا، مما يجعل خطأها خطيرا، كما يجعل صوابها مؤثرا ومفيدا على العالم.

تدخلت أميركا في الحرب العالمية الثانية، فحسمتها ضد المشروع النازي الخطير، وأطلقت إنذارها الشهير ضد العدوان الثلاثي على مصر فلجمته.. وقررت إيقاف صدام حسن وهو في عز غروره، بعد حرب إيران وقرار ابتلاع الكويت، فكسرته وأدخلته في مجاهل التاريخ، وقررت محاربة «القاعدة» والإرهاب فخاضت حربا دولية مفتوحة على الزمان والمكان، ثم قررت الاقتناع بـ«هوجة» الربيع العربي، «فدحمت بمنكبها» الضخم الدول العربية، طالبت بكلمة «الآن.. الآن» ضد مبارك مصر وبن علي تونس، وتحدث أوباما بحماسة وخطابة أين منها خطب وحماسة بعض الإعلاميين والكتاب العرب في بداية ما سمي بالربيع العربي!

هيلاري كلينتون بشكل خاص كانت من أبرز الهاتفين لهوجة الربيع العربي، على اعتبار أنه سيهطل حرية وديمقراطية وانفتاحا وتحضرا على العالم العربي، وكلنا نذكر حماستها السطحية لتمرد البحرين المدعوم من إيران، على اعتبار أن ما يجري في البحرين حينذاك هو جزء من «فيلم» الربيع العربي في مصر وتونس واليمن وليبيا، ولولا حزم دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، في التصدي للهجمة الإيرانية المتلحفة بدعاوى الربيع العربي، خداعا للأميركان والرأي العالم الدولي، الرسمي منه وغيره، لولا هذا الحسم الخليجي لذهبت البحرين أدراج الرياح.

دخلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين، على الرغم من حنق أوباما وأميركا، فهي الأعرف بما يضر وبما ينفع، ومع الوقت «تفهمت» هيلاري كلينتون وإدارة أوباما «الواقعية» السياسية وتبخر دخان الشعارات.

خطورة نهج هذه الإدارة الأوبامية هي السذاجة والحماسة الفارغة في المنطقة، على الرغم من نصائح العقلاء في المنطقة لهم بالتبصر، وكلنا يتذكر الاتصالات المؤثرة بين الرئيس الأميركي أوباما والملك عبد الله بن عبد العزيز في بداية فوضى الربيع العربي، ولكن لا تفيد النصائح لمن هو في حالة انفعالية شعرية لا تليق بقائد دولة عظمى كأميركا.

سيكتب التاريخ أن هذه الإدارة كانت من أكثر الإدارات الأميركية سطحية وانفعالية، ولا تقل خطرا، بل هي أخطر من إدارة بوش الابن التي تكالب عليها وعلى تشويهها اليسار العالمي والليبرالي، مع جماعات الإسلام الأصولي، ومن هنا نتفهم فرح تيارات «الإخوان» ومن لف لفها في العالم الإسلامي بفوز أوباما بفترته الثانية، على اعتبار أن طبيعة فهمه ورؤيته للمنطقة هي التي مكنت جماعات الإخوان من الظفر بالسلطة تحت شعارات تمويهية، غير دينية، والنجاح في العبور للسلطة من خلال دخان الدعاية ومفرقعات الربيع العربي، حتى سرقت السكين الجميع.

نعم، هذه المقاربة الأميركية «الساذجة»، هي جزء أساسي من وصول المنطقة إلى حالة الفوضى التي تشكو منها هيلاري كلينتون نفسها الآن! والغريب أن إدارة أوباما «هرولت» حيث يجب التأني، في مصر وتونس، و«فرملت» وخنعت وتميعت، حيث يجب الحسم والحزم والسرعة، أعني في سوريا، وكان موقفها الغامض المائع في سوريا من أسباب وصول الحالة في بلاد الشام إلى درجة العار للسياسة الدولية والضمير العالمي.

هذه الانفعالية والسذاجة الأميركية لم تنتهِ بعد، فحسب جريدة «المصري اليوم»، فقد «توقع المساعد الخاص للرئيس الأميركي باراك أوباما، والمدير الأعلى لشؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي، بروس ريدل، قيام ثورة في المملكة العربية السعودية، وذلك في مذكرة رفعها إلى أوباما».

يبدو أن هذا الشخص من جماعة «القارئين عن بعد»، على طريقة الكتابات «الخواجاية» السياحية عن منطقتنا، وأكاد أجزم أنه لو نوقش هذا الشخص لخمس دقائق عن تاريخ البلد، وشرعيته، وعلاقات نسيجه المجتمعي، وطبيعة نظامه، وكيفية تكون وجدانه الاجتماعي والتاريخي، لكان ما يقدمه من أجوبة شبيها بكلام صيني في مجلس مكسيكي عن موضوع نيجيري! من الواضح أنه كوّن هذا الانطباع المغرق في سطحيته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتغريدات بعض الحانقين، ومعهم تقارير معارض هنا أو هناك في واشنطن.

ليس مهما مثل هذا الكلام، فهو يقال دوما ومنذ عقود وعقود عن السعودية، ولم يحصل ما يقولونه، ولكن يصبح مثل هذا الكلام جديرا بالتعليق وتنبيه الغافل وتعليم الجاهل الذي قاله، إذا كان قائله يفترض به المسؤولية والفهم.

يبدو أن «نظارات» هيلاري كلينتون التي صححت لها النظر بعد فترة من غبش الرؤية، نحتاج إلى نسخ أخرى منها لأمثال بروس ريدل، وغيره من سذج الخواجات، وعشاق الأفلام.

قديما قالت العرب: عدو سوء عاقل.. ولا صديق جاهل.

[email protected]