«الآداب».. الغياب الأخير

TT

طوى سماح إدريس دفتي «الآداب» بعفوية ورضى: ليس السبب ماديا، بل هو انسحاب القراء. الحقيقة أن هذا ليس الإغلاق الأول لأطول المجلات الأدبية عمرا. الأول، كان يوم وفاة مؤسسها ووالده، سهيل إدريس. فيوم غيابه كان قد انحسر جيل كامل من قراء وكتّاب الأدب، وانتهى مناخ كامل من الشغف والغواية والهواية والهم الأدبي.

مؤسف، لكنه حقيقي، أن معظم المجلات الأدبية تنتهي مع منشئيها. هكذا اختفت كبرى صحائف الأدب في مصر ولم يقم مكانها وريث. وعلى نحو ما، سهيل إدريس كان زعيم حزب أدبي وليس ناشرا أو رئيس تحرير. وكان يعتبر – ويوافقه كثيرون – أنه حارس النهضة ووكيل استمرارها، يؤهل إلى ذلك تفرد في الثقافتين، الفرنسية والتراث ودراسة «أزهرية» استكملها بحمل الدكتوراه من السوربون.

كان سهيل إدريس، أحد نماذج الجيل الثاني من عصر النهضة، منفتحا على الوجودية الفرنسية التي نقلها إلى العربية، هو وزوجته، أمينا لتضلعه في التراث واللغة، ومنخرطا بكل حواسه في المشروع القومي. ومن هذه المنطلقات تولى مواجهة حركة التحديث التي نشرتها مجلة «شعر». تقبل حداثة نزار قباني الملتزمة أصول الفصيح، وحارب أدونيس ومجموعة شعراء الخمسينات والستينات الذين رأى فيهم انصرافا كليا إلى الحداثة الغربية، وهجرة تامة للإرث.

أدرك سماح إدريس أن مرحلة سهيل إدريس هي مرحلة الأب وأن عصر الابن مختلف، وشعر أن قراء سهيل إدريس أخذوا يتفرقون. وكان عليه أن يختار بين صيغتين: الإبقاء على «الآداب» القديمة ومواجهة الفشل، أو إنشاء «آداب» جديدة والاتكال على الأمل.

«الآداب» الجديدة كانت تحمل من الأولى اسمها فقط. بحثت عن قراء جدد ولم تعثر عليهم. جهد سماح تدريس في إلغاء «صورة الأب» ونجح، لكنه أخفق في إقامة صورة موازية. فقد ركز على الاختصاص والبحوث في زمن طغى فيه الاختصار. ولم يفده الالتزام القومي الشديد أو الحاد، لأن القوميين تفرقوا مثل سواهم.

عاشت «الآداب» رقما قياسيا من السنين بالمقارنة مع «الأديب» و«آفاق» أدونيس و«كرمل» محمود درويش، وخصوصا بالمقارنة مع غريمتها الأولى «شعر». وفي غيابها الأول كما في الثاني والأخير خسارة لعالم الآداب العربية.