لصوص من زمن الفراعنة

TT

يتلاشى التاريخ كل يوم على أيدي لصوص الآثار الذين ينقبون في قلب الليل لسرقة كنوز المصريين القدماء. وتلك المشكلة من كبرى المشكلات التي تواجه علماء المصريات حاليا. فنحن في سباق مع لصوص الآثار للكشف عن التاريخ، فإذا عثرنا عليه أولا فإننا سنضيفه إلى رصيد معلوماتنا كي يعرفه الجميع. ولكن في حال وصولهم إليه أولا فسوف يختفي للأبد!

في كل مرة نقوم فيه باكتشاف قطعة أثرية نضيف معلومة جديدة أو نجيب عن سؤال ظل لسنوات من دون إجابة، وليست سرقة الآثار أمر حديث، فهي موجودة ومعروفة منذ عصر الفراعنة.

وقد حاول المصريون حماية مومياواتهم وكنوزهم داخل مقابرهم وأهراماتهم بطرق عدة، ولكن دائما باءت محاولاتهم بالفشل، إما بعد وقت قصير أو حتى بعد مئات أو آلاف السنين. وقد عثرنا على مقبرتين كاملتين فقط من مقابر الملوك، الأولى هي مقبرة الملك توت عنخ آمون، والثانية لملوك الأسرة 22 بتانيس بالدلتا، بعد أن تعرضت معظم المقابر الملكية للسرقة بمجرد إغلاقها، كما نجح اللصوص في عمل اختراق جزئي لمقبرة توت عنخ آمون، إلا أنه تم القبض عليهم على الفور، وسرعان ما أغلقت المقبرة مرة أخرى.

وطيلة آلف السنين يختبئ اللصوص بتلال الصحراء، والتي تخفي المقابر الكثيرة المليئة بالذهب والفضة مستغلين ظلمة الليل للقيام بسرقة المقابر الملكية. فقد كانوا دائما متخوفين من أن تقوم شرطة الجبانة بالقبض عليهم، أو التي لم تتوان عن استخدام وسائل التعذيب للحصول على اعترافاتهم، إلا أن الكنوز الذهبية والمجوهرات والزيوت الثمينة لا تقاوم.

ولدينا سجلات شيقة حول سرقات المقابر من العصور القديمة. وتشير إحداها إلى قيام القاضي بقاعة المحاكمة بسؤال اللص قائلا: «لماذا قمت بالسرقة من مقبرة الفرعون؟»، فأجاب اللص: «الكل يقول إن الفرعون هو معبود، فلماذا لم يمنعني من السرقة من مقبرته؟!».

وقد كتب أحد السجلات الشيقة والخاصة بسرقة إحدى مقابر مصر القديمة على برديتين نعرفهما باسم برديتي أبوت (Abbott) وأمهرست (Amherst)، وترجعان لعهد الأسرة العشرين في نهاية الدولة الحديثة (8611 - 8811 قبل الميلاد)، ترويان قصة الصدام بين رجل أمين يدعى «باسر» حاكم البر الشرقي لطيبة الأقصر حاليا ورجل مرتش معدوم الضمير يدعى «باورع»، وهو حاكم البر الغربي لطيبة. وكان باورع مسؤولا عن حماية مقابر الملوك والملكات ومقابر النبلاء والموظفين، إلا أنه ورئيس الشرطة تورطا في مؤامرة لسرقة كنوز تلك المقابر وقاما برشوة الجميع ليشتروا صمتهم.

إلا أن باسر الرجل الشريف قد سمع عن هذا الفساد، وأعد تقريرا حول السرقات ورفعها للسلطات، كما رفع تقريرا رسميا للوزير ينص على أن باورع متورط في سرقة الكثير من المقابر، كما أنه يزعج سلام الفراعنة. وقد شكل الوزير لجنة مكونة من رجال غير أمناء مالوا بولائهم لحاكم البر الغربي، وخرجت اللجنة بتقرير كاذب للوزير يقر بأن جميع المقابر في حالة جيدة وجميع الأختام سليمة ولم يسرق منها أي شيء. وبعدها سار باورع ورجاله في موكب إلى البر الشرقي محتفلا بانتصاره، لأنه ورجاله قد ظهروا أبرياء أمام الجميع. ولم يصدق باسر أن اللجنة قد كذبت وخرجت بتقرير كاذب. وقام بكتابة تقرير للوزير في بادئ الأمر ذكر فيه أن باورع قد شارك في موكب احتفالي ضده، كما كتب للفرعون يصف اللجنة بأنها غير صادقة وقد تمت رشوتها. هنا شكل الفرعون لجنة جديدة من رجال ليس لهم علاقة بباورع، كما يصعب عليه هو أو رجاله رشوتهم. وذهبت اللجنة إلى وادي الملوك ومواقع أخرى وقاموا بفتح الكثير من المقابر، وأصابتهم الصاعقة عندما وجدوا أن معظم تلك المقابر قد سرقت.. وللحديث بقية إن شاء الله.