«إن الإنسان لربه لكنود»

TT

هناك آية قرآنية عظيمة ترتكز عليها نظريات التفكير الإيجابي في العصر الحديث ألا وهي قوله تعالى: «إن الإنسان لربه لكنود» أي أنه مهما أغدق عليه من نعم إلا أن يبقى كنودا أي جحودا يعد المصائب وينسى نعم الله تعالى عليه.

وهذا الأمر لا يعني أن الإنسان يستحيل أن يغير طبعه، بل هو خلق هكذا حتى يتم تمحيص من يستطع منا الخروج من ضيق التفكير السلبي وضنكه إلى رحابة التفكير الإيجابي الذي يجعل المرء يرى الأمور من حوله بنظرة تفاؤلية، فيتذكر أن هذه المشكلة التي تعترضه ليست سوى عقبة واحدة سرعان ما تزول، وأن في حياة كل منا صورا وإنجازات مشرقة تستدعي أن يكون فرحا بل فخورا بها، وهذه هي نظرة المتفائل الذي ينظر إلى نصف الكوب الممتلئ ولا يركز على الجزء الفارغ منه.

ولرئيس الوزراء البريطاني ويستون تشرتشل عبارة جميلة يقول فيها: إن «المتشائم يرى صعوبة في كل مشكلة تعترضه، والمتفائل يرى فرصة في كل صعوبة تعترضه». وهذه مسألة مهمة إذ تجد أن شخصا يحزن حزنا شديدا على اضطراره لترك وظيفته أو زوجته أو تجارته إلى بديل آخر ثم يكتشف أن ما كان يكرهه صار خيرا له، ولولا مرارة الإقدام على اختيار جديد لما ذقنا حلاوة الفرصة الجديدة، فهذه المرارة أو التردد هي ما كانت تحجبنا عن بحبوحة التمتع بمباهج الحياة، ولذا قال تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون».

عندما يجحد الإنسان الكنود ما يتقلب فيه من نعم فإنه لا يضر سوى نفسه؛ لأنه قبل أن يعيش في قوقعة تفكير ضيقة لا يرى في ما يجري من حوله سوى الجانب المظلم منه، وينسى أن الكريم عز وجل أغدق عليه نعما كثيرة، منها أنه لم يرقد يوما واحدا على سرير المستشفى بينما يئن ملايين الناس على مدار الساعة على الأسرة البيضاء في انتظار لحظة الإفراج عنهم لعودوا لمتع الحياة من جديد.. ولذة الراحة.

وهذا ما يذكرني بحديث نبوي في غاية الروعة والواقعية والحث على الرضا بالواقع وعدم كفران النعم قال فيه صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» أي جمعت له الدنيا بحذافيرها.

والمسألة كلها مرتبطة بطريقة تفكيرنا «فما الإنسان سوى منتوج لأفكاره» كما قال المهاتما غاندي. ولهذا فإن المشكلة الواحدة حينما تعترض اثنين تختلف ردود فعلهما بسبب طريقة التفكير التي اختارها كل منهما، ولذا قيل راقب كلماتك لأنها ستصبح أفكارا، وراقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالا، وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباعا.

وليس أسوأ من أن يكون طبع الإنسان الجحود بالنعمة وعد المصائب حينها فقط يقلب الإنسان حياته إلى جحيم والسبب.. طريقة تفكيره.

[email protected]