إصبع مرسي

TT

عبر صفحة «أنا آسف يا ريس» على موقع «فيس بوك» نشر ناشطون مصريون صورتين: الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يذرف دموعا، متأثرا بفاجعة مقتل 27 تلميذا في حادثة إطلاق نار في مدرسة أميركية قبل أسابيع، والصورة الثانية كانت للرئيس المصري محمد مرسي مقطبا جبينه ورافعا يده ومهددا بسبابته في خطابه الأخير بعد أحداث بورسعيد.

وإصبع الرئيس مرسي التي لوح بها في خطابه الأحد الماضي فاجأت المصريين وشغلتهم فباتت مادة سخرية ونقد لاذعين على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد اختار الرئيس مرسي طريقة مخاطبة لا تخطئها العين مع المصريين، وكان لا بد لطريقة المخاطبة هذه أن تستدرج ردود فعل مختلفة لكنها سلبية في الغالب.

في عصرنا هذا، يعرف السياسيون وصناع الرأي العام أن أي خطاب أو مقابلة أو صورة تلقى رواجا وتفسيرا وفق التعبير الجسماني الذي تحمله، فهل يبدو المسؤول عفويا أم قلقا؟ وهل يتحرك بثقة أم يبدي تشتتا؟ وهل ابتسامته مصطنعة أم ودودة فعلا؟ إنها مؤشرات نلحظها جميعا حين نسمع القادة السياسيين، وهو ما يقرر مدى قبولنا للشخص أو رفضنا له. وقد أقرت الدراسات منذ زمن أن ردود الفعل حيال خطابات الرؤساء والمسؤولين لا تعطي أهمية للمضمون أكثر من 7%، بينما تحال النسبة الباقية على الأداء الجسماني والتعبيري للشخصية ومدى الانطباع الذي خلفته في نفوس المتلقين.

هذا الواقع ليس جديدا، وهو أمر يتدرب عليه المسؤولون لدى مواجهتهم للرأي العام، لذا من المرجح أن يكون الرئيس مرسي يدرك كم حملت إصبعه الملوحة في وجه مشاهديه من معانٍ سلبية. وهنا يصعب الاعتقاد أن يكون مستشارو مرسي أو هو شخصيا في غفلة عن مدى العدائية التي يحملها مشهد المسؤول وهو يلوح بإصبعه في وجه مشاهديه ومدى التوتر والسلبية التي تعكسها هذه الحركة. هذه تفسيرات بنيت على دراسات واستنتاجات تتعلق بحركة الجسد، وهي أول ما يتعلمه المسؤولون في كيفية ضبط حركتهم أمام جمهورهم. وقد بات معروفا أنه كلما كان السياسي ناجحا قلل من حركات يديه، فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بسبابة تتهدد وتتوعد؟

وللحقيقة فإن استعمال الإصبع في مخاطبة الرأي العام صفة لازمت كثيرا من القادة الذين لم ترتبط أسماؤهم بتاريخ أو حاضر ديمقراطي. الديكتاتور العراقي صدام حسين لوح بسبابته كثيرا، كذلك العقيد الليبي معمر القذافي، الرئيس السوداني عمر البشير استعاض عن سبابته بعصا كبيرة يهدد ويتوعد بها. هناك تحقيقات صحافية حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يبدو أكثر دهاء، فهو استعاض عن استخدام إصبعه باستخدام قلم غالبا ما يلوح به في اجتماعاته وخطاباته وهو يزم شفتيه، وطبعا لا ننسى الإصبع الشهيرة لزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله الذي يكاد لا يحسن الخطابة من دونه.

في هذا العصر يحتاج الناس إلى أن يروا قادتهم وقد استجمعوا أفكارهم وسيطروا على انفعالاتهم واقترحوا خططا متماسكة للعمل، أما من لا يزال يؤمن بالإصبع المشهرة في الوجه وسيلة مخاطبة فالأرجح أنه لا يفهم السلطة إلا من خلال الإصبع، وهو حتما لم يفكر جديا في العواقب.

diana@ asharqalawsat.com