وَهْمُ «النصرة»!

TT

في موضوع الثورة السورية يروج النظام الدموي الحاكم هناك لفزاعة «البديل المرعب» أمام الأقليات من شعبه، وكذلك أمام الغرب والمجتمع الدولي. و«البديل المرعب» لم يعد اليوم «وهما» أو «وحشا أسطوريا» ولا «كائنا من نسيج الخيال»، ولكنه أصبح موجودا وله اسم وعنوان، والمقصود هو «جماعة النصرة»، وهي الجماعة المتطرفة التي تتبنى الفكر الجهادي الشبيه بفكر تنظيم القاعدة الإرهابي، وهذه الجماعة أصبحت «حديث» الغرب الذي كان يوما شديد الحماس لمؤازرة الثورة والثوار والخلاص من نظام بشار الأسد، ولكن مع ظهور هذه الفزاعة وترويج النظام السوري لها (مع روسيا وحلفائها)، والترويج المستمر له «لوهلة» صورة ذهنية أن نظام الأسد وبقاءه في الحكم قد يكون «أفضل» من «النصرة» وأشباهها.

وطبعا هذا هراء، فعند احتساب «حجم» جماعة النصرة الحقيقي في إجمالي الثورة السورية ككل يظهر أن حجمها «ضئيل» و«محدود» ولكنها حتما جماعة كثيرة القلق والفزع لأسباب لها علاقة قديمة لأتباع هذا الفكر الجهادي التكفيري الذي تأذى منه الكثيرون حول العالم الإسلامي.

وأجد نفسي مضطرا لإجراء مقارنة بين الجماعات الإسلامية المختلفة؛ فبينما يبدو الفكر الجهادي ساذجا بفجاجة أسلوبه والقتل العشوائي والفكر الضحل المثير للخوف والقلق والرعب، تبدو جماعات أخرى، مثل حزب الله مثلا، أكثر حنكة واحترافية تحقق نفس الأهداف من تكفير وعزل وإبعاد، ولكن بأسلوب أكثر «مهارة» و«دقة»، وهو يشبه الفارق بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة وبين فرق الحواري الترابية، الجميع يلعب كرة القدم ويركلها بأقدامه ويحاول تسجيل الأهداف ولكن هناك فارقا كبيرا، وطبعا تبقى فرق الحواري الترابية بأسلوبها البدائي هي التي تلقى النقد والاتهام بأنها مضرة ومتخلفة.

الفكر الجهادي الذي عليه جماعات مثل «النصرة» وغيرها هو سرطان البلاد الإسلامية، وهو العدو الأساسي لها ولا شك، واستمرار «قدرة» المجتمعات على إفراز أتباع ذلك الفكر هو فضح كامل لغياب الفكر المضاد وعجز الفكر المتسامح والوسطي في مواجهته بالشكل اللائق، وهي المسألة التي ظهرت مع موجة الربيع العربي؛ فبينما كانت هذه الموجة مدعومة بشعارات عظيمة تنشد المساواة والحرية والعدالة والعيش الكريم، قفزت مجاميع شديدة التطرف لخطف هذا الحراك العفوي الحماسي النبيل الجميل بأساليب عنيفة ومقززة، تفرق المجتمعات وتقيم الفروقات بين أبنائها وتكفر من يخالفها وتحد من الحريات وتصر على التشدد والتنطع والتطرف بشكل مرعب ولا تعترف إلا برأيها وتشكك في كل من يخالفها بغض النظر عن حجة الرأي ورجاحته وجدارته وتأصيله شرعا، وهذه الجماعات ترى أن الربيع العربي «فرصة ذهبية» لشرعنة وجودها رسميا على الساحة وتغير مواقفها القديمة من الثورات ضد الحكام ومن الديمقراطية والأحزاب والانتخابات لأجل غايات «وقتية» تمكنها من الوصول للحكم والسلطة، ومن ثم تكفير من يخالفها بأنهم «غربيون وتغريبيون» و«علمانيون» و«ليبراليون» لا يمكن الوثوق بهم لأنهم «ضد شرع الله» وهي قائمة سابقة التحضير ومجهزة ضد المخالف لهم يتم بها تجييش الشارع والناس لمناصرتهم، ونرى ذلك الآن بوضوح في ليبيا ومصر وتونس على سبيل المثال، وقد يكون ذلك الأمر قادما في سوريا.

سوريا يجب ألا يكون فيها مكان باسم «جبهة النصرة»، والأهم أنه يجب عدم الإصغاء لمن يهدد بوصولهم للحكم، وبالتالي الإبقاء على شيطان بشار الأسد بحجة «الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي لا تعرفه».

ونظام بشار الأسد لعب بشكل ماهر ومتفوق على الفزاعات الجهادية وأتقن إخراجها، فهو أطلقها مرارا في الحرب الأهلية اللبنانية عبر جهات محسوبة عليه في بيروت وطرابلس والمخيمات الفلسطينية مثل «جند الشام» و«أبو عدس»، وكذلك فعل مع المجاميع الجهادية في العراق وأطلقها ضد القوات الأميركية بشكل ممنهج، وها هو اليوم يطلق فزاعة الجماعات الجهادية على الأرض السورية مجددا لأجل تحقيق مكاسب سياسية لصالح بشار وزمرته ولكن اللعبة انكشفت تماما.

السوريون يدركون تماما أن «النصرة» كائن سرطاني غريب عليهم ولن يسمح له بالبقاء وعلى العالم أن يعي ذلك.

[email protected]