سوريا.. نقطة التقاء المصالح المتضاربة

TT

وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، وضع «مأزق» الثورة السورية في إطاره الواقعي حين حذر، في مؤتمر الائتلاف الوطني السوري الاثنين الماضي، من أن سوريا معرضة للسقوط في أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة ما لم تقدم الجهات الداعمة للمعارضة السورية «مزيدا من المساعدة لها».

ولكن أي مساعدة؟

صحيح أن الثوار السوريين يحتاجون إلى عملية تنظيمية جذرية تعيد رص صفوفهم ولكنهم يحتاجون، قبل كل شيء، إلى المزيد من السلاح النوعي خصوصا صواريخ «ستينغر» أرض – جو. إلا أن فابيوس، الذي يدرك أهمية هذه الحاجة، أحبط آمال مؤتمر الائتلاف الوطني السوري بتأكيده اقتناع فرنسا بالهاجس الأميركي الذي حال، حتى الآن، دون موافقة واشنطن على تزويد المقاتلين السوريين بهذا السلاح: «القلق» من وقوعه في أيدي المتشددين الإسلاميين.

أن تقتنع فرنسا بهذا المنطق الأميركي يبدو مستغربا في أعقاب تجربتها الذاتية في مالي التي أظهرت أنه إذا كان وقوع الأسلحة الغربية بأيدي الإسلاميين المتشددين احتمالا واردا فإن وقوع البلاد كلها في أيدي هؤلاء المتشددين احتمال أرجح.. وأصعب بكثير لأن التدخل العسكري المباشر يصبح البديل الوحيد لمواجهة المتشددين.

قد لا يخلو هاجس واشنطن من بعض الصحة. ولكن، وبعد أن خرجت المبادرة العسكرية في الكثير من جبهات القتال السورية من إمرة الجيش السوري الحر (غير الملتزم بالآيديولوجيات الجهادية) لتصبح في إمرة فصائل مقاتلة تدعي بـ«الجهاد» وصلا، عقائديا وماديا، يجوز التساؤل: ألا يزال الموقف الأميركي هاجسا أم أنه مجرد ذريعة؟

من الطبيعي أن تظل أفغانستان «هاجس» الدبلوماسية الأميركية لبعض الوقت. ولكن سكوت واشنطن عن دور روسيا في تحويل سوريا إلى نقطة تلاقي – وتوازن في الوقت الراهن - لمصالح إقليمية متناقضة في دوافعها وموحدة في أهدافها، يثير تساؤلات عما إذا كان العامل الإسرائيلي يتقدم على العامل الأميركي في مقربة واشنطن للحالة السورية.

واضح أن الحفاظ على نظام بشار الأسد أصبح نقطة التقاء مصلحي بين إسرائيل وإيران، فتل أبيب تخشى من تحريك جبهة الجولان خصوصا في حال سقوط الأسلحة الكيماوية في أيدي المتشددين، وطهران تتخوف من فقدان آخر حليف عربي وإقليمي لها في وقت تزداد فيها عزلتها الدولية.

عمق التزام النظام «الإسلامي» في طهران بالنظام «العلماني» في دمشق يتجاوز أيديولوجية النظامين (المتناقضين عمليا) إلى ضرورة استراتيجية إيرانية عبر عنها مستشار الشؤون السياسية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي أكبر ولايتي، في تأكيده بأن أي هجوم عسكري على سوريا سيكون بمثابة هجوم على إيران.

أما عمق ارتياح حكومة اليمين الشوفيني في إسرائيل إلى نظام الأسد فقد كشفه إعلان رئيسها، بنيامين نتنياهو، بأنه سيعمد إلى بناء جدار أمني واق لإسرائيل في الجولان المحتل تحسبا لما قد تتعرض إليه إسرائيل من اعتداءات في حال سقوط نظام الأسد.

مشكلة التقاء الموقفين الإيراني والإسرائيلي حيال سوريا، في ظل المعارضة الأميركية لتزويد الثوار بسلاح نوعي، بدأت تنعكس تأخيرا في الحسم العسكري وتفاقما في الانهيار الاقتصادي.. والأسوأ من كل ذلك إطالة لأمد المأساة التي يعيشها السوريون تدميرا وتشتيتا وتهجيرا.

ولكن المحصلة السياسية للموقف الغربي تبقى الأكثر إثارة للقلق بعد أن بدأت بدفع النظام السوري إلى التشبث، عسكريا، بمحور دمشق – حمص – اللاذقية (ربما على حساب سوريا الواحدة الموحدة) وأخذت تفاقم نقمة السوريين، والعرب عامة، على واشنطن. إعلان الاتحاد الأوروبي أنه سيجري، في نهاية فبراير (شباط) 2013، مراجعة لحظر الأسلحة المفروض على المقاتلين السوريين، قد تكون فرصته الأخيرة لإقناع واشنطن بأن تليين موقفها من الحظر، اليوم، أجدى بكثير من لوم «المتشددين الإسلاميين»، غدا، على نشاطاتهم «الإرهابية».