أردوغان بدأ الحملة الانتخابية باكرا

TT

بين أهم الشعارات التي رفعها «العدالة والتنمية» في الحكم منذ 11 عاما وما زال يتحرك على أساسها، هو الوصول إلى الاستقرار السياسي من خلال توفير الاستقرار الخدماتي. أما الجسر الرابط بين القوتين، فهو الجسم الحكومي المتماسك والمتناغم الذي لا يعطي الفرص للوزراء لإطلاق خططهم ومشاريعهم وتنفيذها فحسب؛ بل يقدم صورة تعكس صلابة ومتانة السلطة السياسية التي تدير اللعبة في البلاد وتعزز من موقعها وقدراتها في الداخل والخارج.

رقم قياسي يسجله «العدالة والتنمية» منذ تسلمه السلطة في البلاد عام 2002 هو 57 وزيرا فقط، أداروا الوزارات حتى اليوم، بعضهم نجح في الاحتفاظ بمقعده رغم تبدل الحكومات ورؤسائها.

رجب طيب أردوغان الذي يمارس العمل السياسي منذ عقود ويقود حكومة «العدالة والتنمية» منذ 8 سنوات، يعرف جيدا أن الناخب التركي لن يتردد في تحميله مسؤولية أخطاء الوزراء كما يفعل الإعلام نفسه، ويعرف أيضا أنه هو الذي سيدفع الثمن المكلف قبل غيره، لذلك تراه يتأنى ويفكر طويلا في اختيار وزرائه، وتراه أكثر يدافع عنهم ويقف إلى جانبهم في الصعاب والأزمات رغم كل الحملات التي يتعرضون لها، ولا يتردد في منحهم الفرصة تلو الأخرى، ويتجنب أسلوب التلويح بالتغيير والاستبعاد والمحسوبيات والتوزيع الجغرافي أو العرقي خلال اختيار هؤلاء الوزراء؛ بل همه الأول والأخير كان دائما الكفاءة وتطبيق مقولة «الرجل المناسب في المكان المناسب».. وزراء يختارهم يمضون سنوات طويلة في مقاعدهم لا يفرط بهم إلا بعدما يقررون هم الانسحاب ويقرون بالتعب وضرورة منح الفرصة لآخرين يحملون البيرق ويسيرون وراء أردوغان وحزبه.

تركيا تستعد خلال العامين المقبلين لخوض 3 انتخابات؛ أولها ستكون الانتخابات المحلية أو البلدية؛ وهي المرحلة الأهم بالنسبة للحزب الحاكم الذي انتزع السلطة من الأحزاب المعارضة بعدما أثبت جدارته في هذا المضمار وسيطر على معظم المدن التركية ابتداء من منتصف التسعينات.. كانت المقدمة التي حملته إلى الهيمنة على البرلمان ثم إيصال مرشحه إلى قصر الرئاسة في أنقرة.

أردوغان بدل 4 من وزرائه الذين يتسلمون مهام خدماتية حياتية أساسية في البلاد؛ هي الداخلية والتعليم والصحة والثقافة والسياحة، ليس لأنهم فشلوا في قيادة وزاراتهم؛ بل لأنه يريد التغيير والتحديث وضخ الدم الجديد القادر على حمل ديناميكية أقوى وأسرع ترضي وتطمئن الناخب الذي يطالب الحكومة بالمزيد من الإصلاحات وتنفيذ الوعود التي أطلقتها في برامجها التعليمية والخدماتية وحل المسألة الكردية.

المثير أكثر هو أن رئيس الحكومة التركية أعلن أن لا أحد يملك الحصانة والضمانة بأنه سيبقى في موقعه إذا ما تعثر وفقد شعبيته، وأن موجة ثانية من التغيير الحكومي مقبلة، فمن سيكون الضحية هذه المرة؟ هل تطال العملية وزير الخارجية أحمد داود أوغلو؛ أقرب أعوانه، الذي تعرض في العامين الأخيرين وبعد الربيع العربي لأكثر من انتقاد وهجمة مباشرة تعلن فشل نظريته وآرائه في العمق الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية، رغم أن العديد يصرون على أن أردوغان لن يتخلى عن الأخير بمثل هذه السهولة، فهو الشخصية السياسية التي يتكرر اسمها أكثر من غيرها لتولي مهام رئاسة الوزراء بعدما يصل رجب طيب أردوغان إلى قلعة «شنقايا» الرئاسية ويتسلم السلطة من عبد الله غل؟

البعض يقول إن أردوغان سحب هؤلاء الوزراء لأنه ينوي ترشيحهم لمناصب رئاسة البلديات في المدن الكبرى وتحديدا في أزمير؛ المدينة الواقعة في جنوب تركيا وإحدى أهم قلاع حزب الشعب الجمهوري المعارض، وهو ينوي فتحها من خلال أرتوغرول غوناي وزير الثقافة المبعد واليساري القديم الذي التحق بصفوف «العدالة والتنمية» منذ بداية الطريق تقريبا.

مشكلة الحزب الحاكم الكبرى ستكون في العديد من مدن جنوب شرقي تركيا بغالبيتها الكردية التي تساند حزب السلام والديمقراطية حيث فشل «العدالة والتنمية» حتى الساعة في انتزاع بلديات هذه المنطقة، فهل يحالفه الحظ هذه المرة وهو يحاور أكراد تركيا في إطار مشروع دستوري سياسي شامل ينهي سنوات طويلة من الاقتتال وآلاف الضحايا ومليارات الدولارات من الخسائر ويطمئن الملايين من أكراد تركيا ويرضي الأتراك ويفتح الأبواب الموصدة أمام أردوغان من خلال تسجيل هذا الانتصار الذي يريده كثيرا، خصوصا أن قيادات كردية تقول إنها تقدم لأردوغان العرض الذي طالما أراده وعليه أن لا يفرط فيه هذه المرة؟

كل هذه التطورات تشهدها تركيا بعيدا عن احتمال حدوث أية مفاجآت تسجل لصالح أحزاب المعارضة وعلى رأسها «الشعب الجمهوري» اليساري العلماني الذي يطلق رصاصة تلو الأخرى على قدميه كان آخرها تفجير إحدى نائباته في البرلمان سجالا داخل الحزب وعلى مستوى البلاد بأكملها بعدما وقعت في مصيدة إحدى أهم المسائل حساسية في تركيا؛ النعرات القومية والتمييز بين الوطنية التركية والقومية الكردية؛ محلِّقة بالأولى وعلى مسافات شاسعة بالمقارنة مع الثانية، وكان أول ردود فعلها تقديم نائب كردي في «الشعب الجمهوري» استقالته وهو يتهم حزبه بإيواء المتشددين والمتطرفين.