حلول لـ«إعادة الإدخال إلى المستشفى»

TT

إعادة الدخول إلى المستشفى (readmissions) بشكل غير مخطط له طبيا من قبل، هي بالفعل مشكلة صحية تعبر عن خلل في تطبيق أنظمة للرعاية الصحية يفترض بها أن تكون متوافقة مع احتياجات المرضى، أي أن يكون المرضى هم محور اهتمامها (patient centered care).

وكانت إحدى الدراسات الطبية بالولايات المتحدة التي تم نشرها في 2 أبريل (نيسان) 2009 بمجلة «نيو أنغلاند» الطبية، قد أوضحت أن تكلفة الاضطرار إلى «إعادة الإدخال إلى المستشفى» تبلغ أكثر من 17 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة فقط. ولكن إضافة إلى هذا «الهدر» المادي، هناك الضرر البدني والنفسي والتهديد لسلامة الحياة الذي يتعرض المرضى له جراء عدم اكتمال معالجة حالتهم الصحية وخروجهم إلى المجتمع وهم في حالة من عدم القدرة على معايشة حياة «خارج المستشفى».

إعادة الإدخال هو «رسالة بريد مرتدة» تعبر عن فشل توصيل رسالة المستشفى إلى المجتمع بأن ذاك المريض يتمتع بالصحة والعافية والقدرة على البقاء خارج المستشفى.

وإزاء هذه المشكلة اعتمدت السلطات الصحية بالولايات المتحدة في أغسطس (آب) 2012 نظام «الحلول السريعة» ذات المفعول «سريع التبخر»، أي فرض عقوبات مالية على المستشفيات التي ترتفع لديها معدلات إعادة الإدخال خلال الـ30 يوما التالية لخروج المريض من المستشفى، وذلك بغية تحفيز المستشفيات على قياس أسباب المشكلة وإجراء المساءلات اللازمة في لجان إدارة المستشفيات ووضع خطط لتطوير تقديم الرعاية للمرضى وتهيئتهم بشكل أفضل للخروج من المستشفى. هذا كله رائع نظريا، ولكن الخلل في عدم وجود دراسات وافية تكتشف أسباب عدم قدرة بقاء المرضى خارج المستشفى واضطرارهم للعودة إليها لاستكمال المعالجة وكيفية التعامل بفاعلية مع هذه المشكلة.

ولكي تكتمل الصورة في ذهن دارسي المشكلة وواضعي الحلول لها، تجدر العودة إلى إعادة تعريف ما هو دور المستشفى في علاج المشكلة الصحية لدى المريض ومتى تنتهي الحاجة إلى البقاء في المستشفى، وخاصة بالأخذ في عين الاعتبار عدد الأسرة المتوفرة وحاجة مرضى جدد تعج بهم أقسام الطوارئ والعيادات الخارجية ممن هم بحاجة كذلك لتلقي المعالجة. أي بعبارة أخرى، ما هو دور المريض في المشاركة بعملية العلاج وما هي المسؤوليات التي عليه وعلى أفراد أسرته المقيمين معه، في تطبيق واتباع إرشادات الأطباء حول استكمال المعالجة خارج المستشفى؟

المستشفى بالأساس مطلوب منه استقبال المرضى الذين لا يمكن معالجتهم وهم خارجه، ومتى ما خف أو زال هذا الداعي أو ذاك لدخول المستشفى، يمكن أن يخرج منه على أن يستكمل المعالجة التي تتطلب منه تناول أدوية بالفم أو حمية غذائية أو عناية ممكنة بالنفس وغير ذلك.

وعودة إلى ما سبق، فإن اضطرار المريض للعودة إلى المستشفى لا يعكس بالضرورة عدم اكتمال المراحل المهمة من المعالجة السابقة ولا يعكس نظرية «الاستعجال» في سلوك الطاقم الطبي، وإن كانت هذه الاحتمالات واردة وممكنة، ولكن ثمة أمورا قد تحصل خارج المستشفى لا طاقة للمستشفيات في السيطرة عليها أو التحكم بها بشكل مباشر. ومثلا، فإن التزام المريض بتناول الأدوية بالكمية التي يصفها الطبيب له وفي الأوقات التي يحددها له وبالكيفية التي يرشده إليها، كلها لا قدرة للأطباء أو الممرضين في ضمان التزام المريض بها في منزله. كما أن اتباعه وسائل الوقاية التي يذكره بها الأطباء، وتجنبه للضغوط النفسية، وتعرضه للإهمال في المنزل، وعدم تلبية احتياجاته من النظافة والغذاء والراحة، ومقابلته لأناس آخرين مرضى بأحد الأمراض المعدية، كلها عوامل مهمة في ضمان ثبات أو عدم ثبات حالته الصحية في مراحل «استعادته للعافية».

وبعيدا عن أسلوب «الجدل» و«الجدل المضاد» في محاولات إلقاء الملامة فإن المريض هو من يعاني، والمستشفيات هي أيضا من تعاني، وأسرة المريض كذلك، وميزانية الرعاية الصحية أيضا. والاتفاق على وضع الحلول يستلزم بداهة «تحمل المسؤولية». وعلى المستشفيات العمل لتطوير «أنظمة فاعلة لعملية خروج المريض» (effective discharge process)، والتخطيط لعملية خروج المريض من المستشفى بدءا من لحظة الدخول إليه. وهذا التوجه لا يعني ألبتة الضغط على الأطباء وطاقم التمريض للإسراع بإخراج المريض، بل توجيههم نحو جعل كل أجزاء خدمتهم للمريض هو تهيئة له ليكون في حالة صحية يتمكن فيها من الاعتماد على نفسه للعناية بنفسه وفق توصيات الطاقم الطبي وقدرة المريض على تلك العناية بالنفس ووفق فهمه العميق لتشخيص حالته، وما الذي تم خلال معالجته بالمستشفى وغيرها من المعلومات التثقيفية التي تجعل المريض وذويه على دراية «كافية» بما يحصل.

أي أنه وبعد توفر شروط الخروج (discharge criteria) طبيا لحالة المريض، على إدارات المستشفيات التأكد أن أطقمها الطبية والتمريضية قد أجرت عملية التخطيط لخروج المريض وقدمت له ولذويه التثقيف اللازم بجوانب المعالجة وإرشادات العناية المنزلية وتناول الأدوية والحمية الغذائية وممارسة الأنشطة الحياتية، وتمت مناقشة ذويه حول الدعم اللازم ما بعد الخروج (post - discharge support requirements) وكيفية التصرف حال ظهور أي بوادر لتدهور عليه.

إن حلول المشكلة تتطلب تكوين ثقافة في منشآت تقديم الرعاية الصحية تتضمن استشعار العاملين الطبيين مسؤولية تهيئة المريض للعناية بنفسه وحالته الصحية في المنزل ما بعد الخروج، ثقافة أن يكون المريض هو محور الاهتمام في كل خطوة من خطوات المعالجة الطبية بطريقة كما لو أن المريض هو قريب للطبيب أو أي فرد من طاقم التمريض.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]