المستشرقون بين إدوارد سعيد وعبد الرحمن بدوي

TT

ضع أمامك كتابين، بعنوان واحد تقريبا، لاثنين من أشهر الأكاديميين العرب: الدكتور عبد الرحمن بدوي والدكتور إدوارد سعيد.. الأول له «موسوعة المستشرقين» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، والثاني كان عنوان أشهر أعماله ومُطلِق شهرته العالمية، «المستشرقون». يعدد بدوي نحو 600 مستشرق أوروبي؛ من بدايات القرن السابع عشر إلى بدايات القرن العشرين.. ويفصل أعمالهم، ويصنفهم ضمن دائرتين: العداء للعرب والإسلام، والإنصاف لهما. من بين 600 فرنسي وبريطاني وألماني وسويسري وهولندي وبلجيكي ونمساوي وإسباني وبرتغالي وروسي وإيطالي، يدل الدكتور بدوي على ستة أو سبعة تحيزوا ضد ما درسوه، أو درسوا في الأصل لتأكيد هواهم. الباقون بنوا في المكتبة الغربية جناحا هائلا من الإضاءات على التراث؛ بدءا بنقل معاني القرآن الكريم، ودراسة المذاهب، ووصولا إلى «العقد الفريد» الذي ترجمه الفرنسي دو ساسي ثم طبعه على حسابه.

المستشرقون عند إدوارد سعيد كانوا في أكثرهم زمرة متعالية وكارهة قسمت الدنيا إلى «نحن» و«هم».. نحن المتحضرون وهم البدائيون.. نحن ذوو العلم وهم الجهلة. وقد سوّغ الاستشراق للاستعمار ومهد له وبرر أيضا. جاء المستشرقون - وفق إدوارد سعيد - تسبقهم النوايا السيئة والفكرة المسبوقة.

أنت مع مَن؛ بدوي أم سعيد؟ كان لكل منهما منطلقه في البحث. اختار الدكتور أن يبحث عنهم في المحيط الوسيع، واختار الدكتور سعيد أن يبحث فقط عن أولئك الذين يؤيدون مطالعته. تدخل كتاب غربيون للرد على سعيد تحت العنوان نفسه، لكن مؤلفه ظل طاغيا بالأثر السياسي والأدبي الذي تركه في الدائرة الأكاديمية وخارجها على السواء.

سؤال آخر: من تعتقد أنه أضاء أكثر من الآخر على حركة الاستشراق؟ عبد الرحمن بدوي. صحيح أن الرجل كان عادة حادا في مواقفه الفلسفية والأدبية والوجدانية، سلبا أو إيجابا، لكن مَسنَده كان دوما موسوعيا. والحدة لا تعني إطلاقا أنه لم يكن موضوعيا، لكن، كما في حياة كل الكبار، ثمة سعة وضيق في النفس وفي المراحل. وبدوي الشاب كان أقل تبرما بالأشياء من الدكتور الذي أمضى سنواته الأخيرة في غرفة فندق باريسي، يعيد التأمل في الماضي، من ضباب باريس وغيوم العمر.