المنح المؤقت والحل الدائم!

TT

في الكويت اجتمع أكثر قليلا من ستين دولة ومنظمة دولية نهاية الأسبوع الماضي، من أجل النظر في جمع مبالغ من المال توظف لمساعدات إنسانية لأولئك الذين كتب عليهم أن يكونوا مشردين في العراء، بسبب حزمة من السياسات السلبية ارتكبها نظامهم، كانت الأداة المفضلة لحل مشكلة سياسية معقدة البندقية بدلا من النقاش، بفضل تلك الأداة العنيفة تشرد من أهل سوريا مئات الآلاف من البشر، وبدلا من تقديم حلول سياسية مبكرة تدخل الشعب السوري القرن الواحد والعشرين بوصفهم مواطنين مشاركين لا رقيقا مستعبدا، انتهى بهم الأمر إلى القتل الذي هو أكثر يسرا من التشريد. وبسبب ذلك التشريد اجتمع العالم في الكويت.

جل عبء الدعم في اجتماع الكويت وقع على كاهل ثلاث دول، هي الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، فيما بينها، ساهمت هذه الدول في تقديم 900 مليون دولار من مبلغ 1.5 مليار دولار الذي تم الوعد به. ولأول مرة يجتمع – من أجل سوريا – النقائض، الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، كما روسيا والصين وإيران، الغائب هو ممثلو المعارضة السورية التي يعترف بها العالم. الدول الثلاث المناصرة للنظام السوري لم تكن مساهماتهم الإنسانية مرموقة.

الولايات المتحدة وعدت بـ155 مليون وأيضا الاتحاد الأوروبي بـ135 مليون دولار، كان جل المساهمين هذه المرة كما هم تقريبا في السابق من العرب، فقد كانت السعودية والكويت والإمارات وقطر، قد قدمت دعما إنسانيا سابقا على المستوى الرسمي والشعبي، لم يكن مهما لديها سير النتائج السياسية القادمة، كان الأهم ولا يزال الإنسان السوري! لقد حضر المؤتمر من الرؤساء العرب عدا المضيف ثلاثة، الملك الأردني والرئيس التونسي والرئيس اللبناني.

الأهمية الإضافية في هذا الاجتماع كانت خطاب أمير الكويت في مؤتمر المانحين، الذي أوضح بشكل جلي أن على دول مجلس الأمن تحمل مسؤوليتها التاريخية والتدخل بإيجابية لوقف حمام الدم الجاري في سوريا من أجل إنهاء هذا القتل الجماعي الذي يتم أمام أعين العالم، وهذا التدمير الشامل الذي يطال مدن وقرى سوريا، وأن الالتهاء بذرائع مختلفة لعدم التدخل الفعال في هذه المأساة التي طالت زمننا لتصل قريبا إلى الأربع وعشرين شهرا، ووصل عدد القتلى - شبه المؤكدين - فيها إلى عدد هائل من الأنفس، ما يقارب الستين ألف قتيل، فاق كل الأعداد الرهيبة المعروفة في الشرق الأوسط في تاريخ الصراعات المحلية، وفوق ذلك نحو مليون أسرة مشردة بين الأردن وتركيا ولبنان والعراق ودول أخرى كثيرة حول العالم، أكثر مما شردتهم إسرائيل في النكبة الأولى!

قال أمير الكويت في افتتاح المؤتمر: «يعقد مؤتمرنا والكارثة الإنسانية في سوريا تشهد تصعيدا، فأعداد القتلى تتضاعف، والدمار أصبح عنوانا لكافة الأحياء في سوريا، التقارير مفزعة والأرقام مخيفة والحقائق تدعونا إلى الخوف على مستقبل سوريا ووحدة ترابها وعلى أمن المنطقة»، ملخصا بتلك الكلمات كل الهواجس الإقليمية والعالمية لما يحدث. وفي صدد اللاجئين قال: «لقد راعنا التقرير الأخير للمفوضية السياسية لحقوق الإنسان، والذي أكد وقوع أكثر من ستين ألف قتيل بينهم نساء وأطفال».

هذا الوضع غير الإنساني الذي يطال الشعب السوري هو الذي دفع الكويت مع دول خليجية أخرى ذكرتها أن تتحمل القسط الأكبر طوعا لتخفيف بعض ما يعانيه أهلنا في سوريا وخارجها من السوريين الذي فروا بأرواحهم وأعراضهم خارج وطنهم مرغمين.

ورغم وعود الدعم التي فاقت بقليل المليار ونصف دولار، فإن الكويت خطت خطوة إضافية، لقد فتحت باب التبرع الشعبي من خلال وسائل الإعلام المحلي، لتعضيد الحشد، لا من أجل جمع مال أكثر فقط، ولكن أيضا من أجل تأكيد التكاتف مع الشعب السوري وإرسال رسالة أخوية وإنسانية تقول: إننا نتفهم تضحياتكم من أجل الحرية.

في كواليس المؤتمر كان هناك وجهات نظر وأطروحات للحل الشامل، كما اقترح الرئيس التونسي، إلا أن التساؤل الآخر انصب نحو من يتسلم هذه الأموال المجمعة، وكيف سوف تنفق؟ قيل من البعض، إنها لا يجب أن تذهب إلى مؤسسات الأمم المتحدة، رغم الاختلاف في تقييم قدرة تلك المؤسسات على حسن إدارة الأموال، إلا أن بعض الرأي ذهب إلى القول إن إدارة الأمم المتحدة للمال ولوائحها قد تأكل جزءا غير يسير من المال المأمول في الأعمال الإدارية، فتكون إدارته عبئا على من يجب أن يذهب إليه! وبعضهم قال إن المال لا يجب أن يذهب إلى الحكومات المضيفة، لأنها أيضا تتصرف من خلال بيروقراطية بطيئة. رجال ونساء المجتمع المدني العاملون في المؤسسات التطوعية رحبوا بأن يكونوا هم القنوات التي تصرف المال مباشرة على مستحقيه.

جمع المال هو الخطوة الأسهل نسبيا في الطريق الطويل إلى وصوله إلى مستحقيه، ولكن الأهم هو حسن وسهولة وصوله لمستحقيه.

لبنان هي الأكثر احتياجا اليوم، وأقصد به اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين تدفقوا على لبنان، وهو بلد يفتقد إلى مؤسسات متسقة تقوم برعاية منظمة لأي كارثة تحدث، فما بالك بكارثة قادمة من الخارج. المفارقة أن في لبنان اليوم أكثر من 250 ألف لاجئ، والباب مفتوح لتدفق آخرين، نحو 40% منهم مجبرون على العيش في العراء، المفارقة الأخرى أن الدولة اللبنانية قد قدمت خطة في المؤتمر للنظر فيها في اجتماع الكويت، تعتبرها متكاملة من أجل التخفيف من معاناة النازحين، تعتمد على توزيع المساعدات من خلال التنظيم اللبناني الرسمي، إلا أن النشاط الرسمي لإغاثة اللاجئين هناك متباطئ، يأتي الزخم من قوى لبنانية أهلية منظمة والأخير أكثر فاعلية، لأن الموقف الرسمي متذبذب بل ومتعارض في بعضه، فمن سيقوم بالعملية التوزيعية والرعاية الأفضل في لبنان رغم الحاجة الماسة؟ مع العلم أن أكبر فئة تعاني هم الأطفال السوريون الذين إما أن يموتوا بالرصاص أو تحت الأنقاض أو المرض أو البرد أو سوء التغذية، وهم بالآلاف.

وربما يكون الوضع في الأردن أكثر تنظيما، وكذلك في تركيا لأن الدولتين التركية والأردنية وضعتا هيكلية مشكلة من مواطنيهما في تنظيم رسمي للقيام بالمتابعة والرعاية وتنظيم القادمين. فنازحو لبنان أمامهم مشكلة أكبر، رغم المشكلة الإنسانية العميقة والمؤلمة في كل مناطق النزوح.

الحل الأفضل والمطلوب هو أن يسمع العالم كلمة واضحة من مجلس الأمن الذي تلكأ كثيرا، وقد طالب أمير الكويت بشجاعة، أن يتحمل هذا المجلس – كونه مرجعية دولية كبرى – مسؤوليته في وضع حلول فورية لوقف المأساة؛ أما ما جمع من مال للنازحين لا يخرج عن تضميد جراح مؤقت، فأمام سوريا خطط إعادة إعمار مستقبلية سوف تكلف البلايين من الدولارات، كما أمامها تضميد الجرح الغائر بين مكونتها الاجتماعية.

الرهان من بعض الدول الإقليمية المساندة لنظام الأسد، أن النظام في نهاية الأمر سوف ينتصر على شعبه! وحتى لو تم ذلك الافتراض البعيد، ترى من سيقوم بإعادة بناء سوريا وتضميد جراح شعبها؟ حتى ولو تم إعادتها إلى ما كان قبل سنتين مضتا، فإن تكلفة إعادة البناء سوف تحتاج إلى بلايين الدولارات التي لا تستطيع الدول الإقليمية المناصرة اليوم أن تقوم به، مهما كان لديها من عزيمة، فسوريا بعد الآن تحتاج – تقريبا – إلى كل شيء، من الدواء إلى مواد الغذاء إلى مواد البناء إلى العمل السياسي. وهي اليوم تحتاج إلى أمل واحد، أن ينال شعبها الحرية بعد هذه التضحيات العظام.

في حضور السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة للمؤتمر في الكويت، من المتوقع أن ينقل الأمين العام الرجاء الحار الذي أعلنه أمير الكويت للدول الدائمة في مجلس الأمن، أن تنظر بجدية إلى المعاناة الإنسانية الكبرى التي يعانيها المجتمع السوري، وتتخذ موقفا إنسانيا إيجابيا، لأن ما هو مهدد ليس مصالح مادية فقط، بل بشر يموتون كل يوم دون انقطاع وبالعشرات.

آخر الكلام:

كنا نبستم على مقاعد الدراسة عندما يذكرنا مدرس التاريخ بصكوك الغفران، أي دفع بعض المال كما في التاريخ الأوروبي السحيق لبعض رجال الدين، لضمان الجنة، هل نبتسم من جديد أم نقهقه، عندما يفتي شيخ لبناني أن كل من يؤيد الزواج المدني من المسلمين يصبح مرتدا عن الإسلام!! ما أشبه الليلة بالبارحة!!