ليس هناك أسوأ من الجهل

TT

إذا أردت أن تتحدث بموضوع (حقيقي) ولكنه قد لا يدخل العقل (فسنّد) لكي لا يتهمك أحد بالتجديف أو الكذب، ومعنى (سنّد)، أي رده إلى المصدر الذي قرأته فيه أو سمعته منه.. وإنني من هذه الناحية بالذات حذر جدا، فليس هناك أبيخ من (التقويل) والصيد في الماء العكر.

وحسب ما رواه عماد الدين حسين في جريدة (الشروق) المصرية في 14/1/2013، فإنه التقى في استراحة أحد الاستوديوهات الفضائية بشيخ أزهري مسؤول، وقال له ذلك الشيخ:

«إن وزارة الأوقاف أعلنت عن مسابقة لتعيين ما يقارب ثلاثة آلاف إمام مسجد، فتقدم للاختبار ما لا يقل عن 57 ألف شخص، وكنت ضمن لجنة الاختبار الشفاهي، فسألت الأول: أين ولد الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فأجابني دون تردد: في (البصرة). فأخذني العجب، ولكنني مع ذلك سألته متفكّها: وأين دفن؟! فأجابني وهو مستهجن لسؤالي قائلا: في البصرة طبعا.

أما الثاني؛ ففتح الله عليه عندما أكد لي أنه ولد بمكة، غير أنه (طينها) عندما أردف قائلا: ولكنه دفن في (البقيع).

والثالث عندما سألته متعمّدا: هل ولد الرسول بعد (الهجرة) أم قبلها؟ صمت برهة وهو يقدح زناد فكره، ثم أجابني متلعثما: أعتقد أنه ولد بعد الهجرة، فأمعنت في سؤاله قائلا: يعني بعد الهجرة بكم سنة؟ فقال: أظن بعدها بسبع أو ثمان سنوات والله أعلم».

والشيء المؤلم أن هؤلاء المتسابقين وغيرهم، هم من حملة الشهادات، بل إن بعضهم حصلوا على الشهادات الجامعية، فكيف يأمن الإنسان بعد اليوم لمن يعتلون (المنابر)، ويهرفون بما لا يعرفون.

وكلام هذا الشيخ الأزهري، ذكرني بحديث سمعته من رجل طاعن في بالسن انتقل قبل سنوات إلى رحمة الله، فقال:

«كنت ضمن جنود البادية الذين دخلوا للمدينة المنورة في بدايات العهد السعودي، وكان ذلك في عام 1926 ميلادية، وفي تلك الأيام كنت صبيا يافعا لا يتعدى عمري 15 سنة، وذهبت مع خمسة من الرجال إلى المسجد الشريف، وصلينا به صلاة العصر، وبعد أن انتهينا انقلبنا على أعقابنا خارجين، وما إن وصلنا إلى باب الخروج حتى قابلنا أحد الرجال وسألنا: هل سلّمتم على الرسول؟!

فأجابه كبيرنا منزعجا باعتذار، وهو يقول: (أفا) الرسول هنيّا وحنّا ما ندري؟! - أي على طريقة إخواننا (الشوام) عندما يقول أحدهم (يا عيب الشوم) الرسول هوني وإحنا ما بنعرف؟!».

المهم استطرد ذلك الرجل يحكي لي قائلا: «عندها نكسنا مرة أخرى داخلين نبحث عن الرسول لكي نسلم عليه، وإذا بنا نشاهد عجوزا جالسا ولحيته البيضاء تصل إلى منتصف بطنه، وهو يقرأ بخشوع في مصحف كبير على قاعدة خشبية، فاعتقدنا جازمين أنه الرسول، فأخذنا نربت على كتفه قائلين: السلام عليك يالرسول، فهب الرجل ويبدو أنه كان باكستانيا، ومن هول المفاجأة كاد يستلقي على الأرض وهو يدفعنا عنه بيديه وقدميه قائلا: أعوز بالله، أعوز بالله، كان ينطقها (بالزاي) وليس (بالذال).

طبعا ذلك الرجل عليه رحمة الله، حسن إسلامه في ما بعد، وروى لي تلك الواقعة بكل صدق وتجرّد، على أساس كيف أن الجهل قد يأخذ الإنسان إلى طريق أعوج وهو لا يدري.

والحمد لله على نعمة الإسلام.

[email protected]