الكلام عن السوريين وأزمتهم

TT

بعد انطلاق الثورة السورية قبل عامين، تغيرت صيغة الكلام عن السوريين نظاما وشعبا. فقبل ذلك التاريخ كان الكلام عن السوريين يتعلق غالبا بسياسات النظام وعلاقاته العربية والدولية ومواقفه من القضايا العربية والإقليمية، وغالبا ما كانت لغة الخطاب هادئة ورزينة، وحتى في الحالات، التي يكون فيها ثمة اختلاف مع مضمون الخطاب الرسمي السوري، فإن لغة الخطاب التي تتناوله كانت ملتبسة، ولم تكن تتعدى أشارت الامتعاض في أشد الأحوال، أو التلميح دون التصريح في أغلب الأحيان، والسبب في ذلك أن كثيرين من أصحاب القول في الشأن السوري وحوله، لم يكونوا يرغبون في الدخول في مواجهات كلامية مع الخطاب الرسمي السوري تجنبا لما يمكن أن يقوله أو يفعله أو للاثنين معا، حيث الأول فيهما لم يكن يخلو من شتائم وتهديدات، فيما كانت الأفعال تحمل مخاطر وتحديات لا رغبة لأحد في تحملها أو احتمالها.

والكلام عن السوريين كشعب، لم يكن بعيدا عما سبق. فالسوريون في عيون الآخرين، كان يتم النظر إليهم في أغلب الأحيان باعتبارهم أبناء النظام وأدواته وجوقته، وهي تصورات غير واقعية، وإن استند بعضها إلى وقائع ومعطيات ضعيفة ومهلهلة، وهو ما جعل الكلام عن السوريين شعبا، يقترب من الكلام عن السوريين نظاما، لكن مع هامش أكبر في لوم الشعب السوري لاقتناع أصحاب خطاب اللوم بعدم قدرة الشعب السوري على الرد والتعقيب على الكلام الذي يقال عنه وحوله لأسباب كثيرة.

وواقع الحال السابق، إنما يساعد في تقديم تفسير للسلوك العربي والدولي الحذر والانتظاري في الكلام حول الوضع السوري ومجرياته طوال الأشهر الأولى من ثورة السوريين، قبل أن يذهب الكلام إلى تحديد مواقف مما يجري في سوريا، وبلورة انقسام إقليمي ودولي حولها بغض النظر عن محتوى وجدية الفريقين والمنتمين لهما من الوضع السوري وتطوراته، وصار بالإمكان سماع كلام مختلف في لجهته ومحتواه في الشأن السوري، كلام يميز في التعاطي ما بين النظام والشعب، ويحمل في محتواه مضامين لم يكن يستعملها في السابق في تعاطيه مع النظام أو مع السوريين.

وإذا كان كلام الفريق الدولي والإقليمي المؤيد للسلطات السورية واضحا في دعمه وتأييده للسياسات السورية في تعاملها مع ثورة السوريين، ومتقارب في إدانة الحراك الشعبي بمجالاته السياسية والعسكرية على السواء، فإن كلام الفريق الثاني وإن كان في اتجاهه العام مناهضا لسياسات النظام وخياره الأمني - العسكري، ومتعاطفا مع ثورة السوريين وبخاصة مع ضحايا النظام وسياساته، وضد ما يصيب الشعب السوري من خسائر ودمار، وآلام. فإن كلام هذا الفريق، غلب عليه الارتباك وكثرة الادعاءات، وارتكاب الأخطاء الكبرى، إن لم نقل إن بعض تلك الأخطاء كان مقصودا، وله أهداف سياسية لعل الأهم والأبرز فيها إخلاء مسؤولية أصحابها عن عدم اتخاذهم مواقف جدية وقوية حيال ثورة السوريين وتطوراتها والأطراف المنخرطة فيها.

إن الأمثلة في الكلام المقال عن الحال السوري كثيرة، والأيام الأخيرة حافلة وشاملة لكل المواضيع ومنها تحليلات تحمل النظام المسؤولية في الأزمة السورية، ومنها كلام المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي في مجلس الأمن الدولي الذي أكد أن «سوريا تنهار أمام أعين الجميع»، الأمر الذي استجر كلاما من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتوجيه نداء «باسم الإنسانية لوقف القتل في سوريا»، فيما ذهب «المؤتمر الدولي لإعلان التعهدات الإنسانية من أجل سوريا» في الكويت نحو كلام عن مساعدات مالية للسوريين، تتجاوز مليارا ونصف مليار دولار في إطار كلام عربي ودولي تكرر على مدى العامين الماضيين حول مساعدات ستدفع لمساعدة السوريين في مواجهة المحنة التي يتعرضون لها، وثمة كلام عن جهود ومبادرات في المستويات الإقليمية والدولية لمعالجة الأزمة، وقد انضمت أطراف من المعارضة السورية حسب مؤتمر جنيف الأخير وتصريحات رئيس الائتلاف الوطني عن تفاوض مشروط مع النظام، وقد انضم الأخير إلى فريق المتكلمين عن حل سياسي للازمة في سورية، فيما كلامه مستمر عن «مؤامرة» و«عصابات إرهابية».

وإن كان هناك ملاحظات جوهرية حول الكلام المقال عن السوريين وأزمتهم، فإن الأهم في تلك الملاحظات، أن كثيرا من الكلام، لا يركز بصورة جدية وفعالة على معالجة الأزمة السورية بما يعنيه ذلك من إيجاد حل لها، وهو يتناول بعض نتائج استمرار الأزمة وتطوراتها مثل الحديث عن اللاجئين والمساعدات الإنسانية، كما أن بين الملاحظات، أن أغلب الكلام لا يجد طريقه للتطبيق والتنفيذ كما في موضوع السعي الجدي لعلاج الأزمة، بل إن بعض أصحاب ذلك الكلام سرعان ما يتجاهلون أقوالهم، وقد يتخذون ودولهم مواقف وإجراءات تتناقض مع مضمون كلامهم كما في موضوع المساعدات الدولية ومعالجة أوضاع السوريين في الدول المضيفة.

لقد صار الكلام مكرورا في توصيف أزمة السوريين، والتباكي على ما صارت إليه حالهم وحال بلدهم، والتحذير مما يجر إليه الحال السوري من كوارث تتجاوز محيط سوريا إلى جوارها والأبعد منها إقليميا ودوليا. وكذلك الكلام عن التكاتف الدولي لمساعدة شعب لم يقصر في التزاماته الإنسانية والأخلاقية نحو المجتمع الدولي ومساعدة الآخرين في محنهم، وعن الجهود المختلفة لمعالجة الأزمة في سوريا. لقد أصبح الكلام مجرد لغو لا معنى له ولا تجسيدات عملية لما يفرضه من مواقف وإجراءات. حيث إن الأزمة في سوريا مستمرة ومتصاعدة، وخسائرها البشرية والمادية إلى تزايد مخيف، وأحوال السوريين في الداخل وبلدان اللجوء إلى تدهور، وحالة الكيان السوري إلى تغيير من الصعب تحديد محتواه، وكلها تؤكد عدم جدوى وجدية أكثر الكلام الذي يقال عن السوريين.