أراض في أفريقيا غير خاضعة لسيطرة القانون

TT

اخلع خوذتك وشذب شاربك واشرب نخب الانتصار: لقد حرر الفرنسيون تمبكتو.

يبدو أنه عنوان رئيسي من عصر الإمبريالية. في واقع الأمر، يعتبر واحدا بين سلسلة من الصراعات وأشكال التدخل الحديثة جدا عبر أنحاء أفريقيا.

لقد عرقلت عملية «سرفال»، بدعم لوجيستي أميركي على مضض، تقدم تنظيم القاعدة وفروعه في شمال مالي. وقد تعهدت دول أفريقية أخرى بتوفير قوة لاحقة لحفظ الاستقرار. في الوقت نفسه، دعمت طائرة مقاتلة أميركية مهمة باءت بالفشل لإنقاذ رهائن فرنسيين في الصومال - وهي دولة تمول فيها أميركا وتدعم 18 ألف قوة أفريقية تطرد حركة الشباب المجاهدين من المعاقل الحضرية. إن الفرنسيين انتهوا للتو من تدخل سريع ناجح لمنع اندلاع حرب أهلية في ساحل العاج. اشتبكت القوات الأوغندية، بدعم استخباراتي ولوجيستي أميركي، مؤخرا مع «جيش الرب» للمقاومة شمال بلدة جيما في جمهورية أفريقيا الوسطى. وتقترح الأمم المتحدة دعم قواتها البالغ عددها 17 ألف قوة في شرق الكونغو بـ«قوة حفظ سلام» مؤلفة من 2500 عضو. وقد صدق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على استخدام طائرات الاستطلاع من دون طيار في تلك العملية.

تعتبر كل هذه الإجراءات بمثابة ردود فعل إزاء التحدي الاستراتيجي نفسه، ألا وهو وجود فراغ سيادة. تفتقر مناطق بأسرها - أحيانا ما تكون مرتبطة بدولة معينة فقط من خلال واقعة تخطيط إمبريالي - إلى حكومة عادلة وفعالة. وعلى غرار منزل مهجور في حي رديء، تجذب هذه البقاع من الأرض (شمال مالي وشمال كيفو والصومال والحدود الأفغانية/ الباكستانية... الخ.) عناصر غير مرغوب فيها - ميليشيات وقادة عسكريين وإسلاميين متطرفين. عادة ما لا تكتفي هذه الجماعات بإحداث كارثة إنسانية محلية، بل تصدر كما هائلا من المشكلات؛ تدفق أعداد هائلة من اللاجئين والنشاط الإجرامي وعدم الاستقرار الإقليمي والمختطفين الذين يهاجمون المباني بالطائرات. وبينما لا تفضي كل الحروب الأهلية إلى انعدام للسيادة، فإن الحروب الطويلة المعقدة يمكن بالقطع أن تؤدي إلى ذلك، مثلما نشهد في عملية صوملة سوريا. علاوة على ذلك، فإن هذه التحديات العالمية المسببة للفوضى على المستوى المحلي - تولد نوعا من الشيزوفرينيا الجيوسياسية. من السهل، وعلى وجه الخصوص في الأكاديمية، انتقاد التدخل بوصفه استعمارا جديدا وإمبريالية وسيطرة عسكرية. وفي ظل وقائع اغتصاب النساء البوسنيات أو الكونغوليات بأعداد ضخمة، ومقتل مئات الآلاف من التوتسي بالمناجل، ومنذ اليوم التالي لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يبدو من الواضح جليا أن اللامبالاة والتراخي والتهدئة لم تعد خيارات مفضلة.

غير أن خيارات السياسة الرامية لتشجيع تحقيق الحد الأدنى من النظام في المناطق غير الخاضعة لسيطرة القانون - توفير بدائل للسيادة - محدودة ومعيبة. ليست أشكال التدخل العسكري المباشر استثنائية - ففي الفترة ما بين 1960 و2005، تدخل الفرنسيون 46 مرة في مستعمراتهم الأفريقية السابقة - ولكن نتائجها قد تباينت. لقد أعادت عملية «باليسر» البريطانية الديمقراطية لسييرا ليون في عام 2000. وانتهت عملية «استعادة الأمل الصومالية» بشكل يائس في مقديشو في عام 1993. ووفرت عملية «تركواز» الفرنسية في عام 1994 غطاء لمنفذي عمليات الإبادة الجماعية من قبيلة الهوتو، الذين كانوا حلفاء لفرنسا، للهرب إلى شرق الكونغو (ذهبت إلى الموقع الموجود في رواندا حيث أنشأت القوات الفرنسية ملعبا للكرة الطائرة على مقبرة جماعية للقتلى من التوتسي). يمكن أن يكون الإجراء العسكري، في ظل الظروف المناسبة، فعالا، بل وملحا من الناحية الأخلاقية، وقد تكون له أيضا تبعات غير مرغوب فيها ولا يحل مشكلات الحكم الطويلة الأجل.

تعتبر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بديلا آخر للسيادة. ويتمتع أصحاب الخوذات الزرقاء بالشرعية والمصداقية، لكن قوات الأمم المتحدة أفضل بكثير في حفظ سلام قائم عن إرساء نظام من الفوضى، ولكن تعتبر إمكاناتهم وقدراتهم محدودة - في شرق الكونغو، إذ لا تمتد منطقة السيادة التي يفرضونها لمسافة أبعد بكثير عن مرمى بصرهم. إن منظمات الأمن الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لديها القدرات والإمكانات اللوجيستية، ومن ثم عادة ما تقوم الولايات المتحدة بأشكال من التدخل من خلال دعم القوات الأفريقية المشاركة في حروب بالوكالة: القوات الكينية والإثيوبية والأوغندية في الصومال والقوات الأوغندية التي تسعى للقضاء على «جيش الرب» للمقاومة.

إضافة إلى ذلك، فإن الأميركيين ينجذبون إلى الحلول التكنولوجية للمشكلات السياسية. وتهاجم الطائرات من دون طيار أهدافا في الصومال واليمن. وهذا يفرض شكلا محدودا من النظام - القضاء على تهديدات بعينها - لكنه لا يشجع الاستقرار السياسي أو يحسن الظروف المحلية.

كل هذه الخيارات المتعلقة بالسياسة يمكن أن تكون مناسبة ويتم تطبيقها بأشكال مختلفة من قبل إدارة أوباما. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يتمثل أهم هدف في توفير بدائل مؤقتة للسيادة، بل تدعيم ذلك الاتجاه في حد ذاته، وهذا هو نقيض الإمبريالية - تشكيل جيش محلي وتوفير إمكانات مدنية وتحسين الصحة العامة والنمو الاقتصادي. وتعتبر هذه أصعب المهام في التطوير، والأسهل في خفض النفقات في إطار التوفير في الميزانية. وتعتبر أيضا أقل تكلفة على المدى الطويل من القتال المستمر لاحتواء الفوضى.

* خدمة «واشنطن بوست»