على الرغم من كل شيء.. كانت سنوات أوباما الأربع الأولى إيجابية للشرق الأوسط

TT

* نعم

* منذ 68 سنة تقريبا، يوم 14 فبراير (شباط)، قابل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الملك عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية، على متن السفينة الحربية الأميركية «كوينسي» في قناة السويس. وكان ذاك اللقاء مؤشرا للعب الولايات المتحدة الأميركية دور الضامن للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين، احترم أحد عشر رئيسا أميركيا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري هذا الالتزام بثبات. بل، ولو في جو من الاسترضاء، فإنه حتى الرئيس جيمي كارتر دافع عن هذا النهج عام 1980 عبر موقف صلب تجسد في ما عرف بـ«ميثاق كارتر».

في ما يخص الرئيس باراك أوباما فإن مواقفه تأرجحت بين رغبته في إنهاء التورط في مسائل الشرق الأوسط وتخوفه من أن يظهر في موقف الضعيف أمام الناخبين. وفي نهاية المطاف جاءت النتيجة شكلا من أشكال السياسة الملتوية المخادعة التي أظهرت أميركا كصديق متقلب يشجّع نقص التزامه الخصوم داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

لقد بدا أوباما قليل الانسجام مع قيم بلاده وتاريخها وطموحاتها العالمية. ومن دون أن يعبّر عن ذلك صراحة فإنه عمليا صور أميركا «قوة «إمبريالية» ارتكبت أخطاء بحق الغير ولا بد لها من أن تكّفر عن تلك الأخطاء.

هذا المنحى شجع النظام الخميني في إيران على تسريع خطواته باتجاه العتبة النووية، ذلك أنه عندما دخل أوباما البيت الأبيض كانت إيران تخصب اليورانيوم ببضع مئات من أجهزة الطرد المركزي، أما اليوم فإن الرقم أقرب إلى 12000 جهاز في تحد سافر لخمسة قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي. بكلام آخر اعتبر الملالي «مد ذراع الصداقة» من جانب واشنطن «رفعا لذراعيها استسلاما» لهم. وبعدها خشية الظهور بمظهر الضعيف اقتنع أوباما بأن عليه مساندة قادة أنظمة تسلطية عصف بها «الربيع العربي». وحقا، قبل أيام معدودات من استقالة الرئيس المصري حسني مبارك، أعلن موفد أوباما إلى القاهرة تأييده لـ«مرحلة انتقالية برئاسة الرئيس مبارك».

أي حتى في تلك اللحظة لم يكن أوباما في صف الجماعات المنادية بالديمقراطية التي حركت «الربيع العربي»، بل كانت تساوره الشكوك حيالها، وكان من مصادر هذه الشكوك أن بعض هذه الجماعات استفادت من «أجندة الحرية» التي أطلقتها إدارة جورج بوش الابن عام 2003. وبما أن أوباما كان يعتبر كل أفعال بوش خطايا فقد كان عليه أن يعثر لنفسه على حلفاء جدد، وهو ما عثر عليه في جماعة «الإخوان المسلمين». مع العلم، بأنه قبل هذا المفصل كان قد أثار نزاعا مع العراقيين استغله ذريعة لإنهاء التزاماته تجاه أمن العراق وتنميته.

قبل ذلك، قدم أوباما مثالا آخرا على نهجه الملتوي في ليبيا، إذ تولت الولايات المتحدة أمر الثقل الأساسي لعمليات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الجوية ضد نظام القذافي، غير أن مبدأ «القيادة من الخلف» الذي اعتمده أوباما أدى إلى بقائه بعيدا عن الواجهة إلى أن استهدف الجهاديون سفيره في بنغازي.

والنهج الملتوي ذاته تقريبا مارسه أوباما في الشأن السوري. فهو كي لا يربك حالة التفاهم الراهنة مع روسيا أتاح للقيادة الروسية التأثير في سياسة أميركا عبر الأمم المتحدة. وهكذا أمكنت المحافظة على صيغة التفاهم ولكن وفق شروط فلاديمير بوتين.

من منجزات أوباما الأخرى خفض مستوى العلاقة مع إسرائيل، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ«الجبان والكذاب». إلا أن هذا الموقف لم يفده كثيرا مع الفلسطينيين الذين يتذكرون جيدا وعده بـ«دولة فلسطينية» خلال العام الأول من دخوله البيت الأبيض.

وهكذا بسبب الفترة الأولى من حكم أوباما خسرت الولايات المتحدة العديد من الأصدقاء، وخرجت بعدد أكبر من الأعداء في المنطقة. كذلك فإن صورتها غدت صورة لاعب متردد عاجز عن استخدام موارده الهائلة بطريقة فعالة بفضل تناغم مكوناتها وانسجامها. وأكثر فأكثر، في ضوء ما يراه كثيرون التناقضات التي تتحكم في السياسة الأميركية، فقد غدا دور واشنطن، من الناحية العملية، دورا هامشيا، بل خارج السياق.

مع هذا، يجب القول إن سنوات رئاسة أوباما الأربع الأولى كانت جيدة للشرق الأوسط على المدى الأبعد. ذلك أن تشوش منظور أوباما وتخبطه أنهك معنوياته قادة الأنظمة المتسلطة من حلفاء واشنطن، مما أتاح إحداث التغيير السريع في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن. ثم إن الإسلاميين الذين كسبوا السلطة في أعقاب التغيير بالتحالف مع واشنطن ما عادوا قادرين على اللجوء مجددا لسلاح التخويف بالغرب واستثارة العداء لأميركا عندما يضطرون لستر أخطائهم وتبرير فشلهم.

في هذه الأثناء على الدول العربية وتركيا بلورة تصور للتعامل مع التحدي الإيراني بمعزل عن البعد الأميركي أو الأميركي - الإسرائيلي.

إن الانكفاء الأميركي قد يفرض أيضا على إسرائيل والفلسطينيين وقف لعبة الانتظار العبثي لـ«غودو» أميركي يحل لهم نزاعهم.