إيران: الصحافة تختنق

TT

هل ما تزال الحركة الخضراء في إيران قادرة على بعث الأمل؟

السؤال تستحثه كل يوم تلك الاستراتيجية العنيفة التي يمارسها النظام ضدها، والتي حققت فعاليتها في إحباط الكثير من خطط المعارضة وتحركاتها.. ويبدو أن النظام الإيراني لا يكل، فهو يواصل ابتكار آليات قمع ورقابة لتطويق وخنق هذه المعارضة.

لهذا نرى تلك المغالاة في الاعتقالات وفي ضبط الاتصالات والإنترنت؛ تحسبا لعدم تكرار الهبة الخضراء التي وقعت عام 2009، وما الهجمة التي تعرض لها صحافيون إصلاحيون يعمل أغلبهم في مجالات الثقافة على مدى الأيام الأخيرة سوى نذر يسير لمدى قلق النظام الإيراني من أي تحرك معارض يستبق الانتخابات المقررة الصيف المقبل.

فجأة، وفي موجات اعتقال على مدى أيام، سيق إلى السجن 16 صحافيا، وينتظر أن تطال الاعتقالات مجموعات جديدة منهم، والتهمة الجاهزة هي أن هؤلاء يعملون مع وسائل إعلام غربية «مناهضة للثورة وبوق للعدو». إنها اعتقالات تعزز من جديد موقع إيران كأحد أكبر سجاني الصحافة في العالم. تتناقل الأخبار عمن لم يعتقل بعد روايات عن تواريهم عن الأنظار، أو محوهم لتقاريرهم الصحافية عن حواسبهم حتى ولو لم تكن تحوي شيئا ذا قيمة؛ خوفا من تأويلات قد يبتدعها الأمن الإيراني الذي ركز في حملة اعتقال الصحافيين الأخيرة هذه على أشخاص نشطوا في الكتابة عن قضايا اجتماعية وثقافية.

واختيار هذه الشريحة من أهل المهنة البعيدين عن التغطيات السياسية لاعتقالهم بدا قرارا واعيا هدفه نشر الذعر في أوساط الصحافيين والمثقفين من أن البطش لن يستثني ولن يرحم أحدا.

مورست تلك الاعتقالات في توقيتها وأسلوبها، وفي اختيار ضحاياها، بصفتها إعلانا صريحا ومباشرا بأن الدورة الانتخابية القادمة لن يسمح فيها بأي نشاط مدني، وأن ما حدث في انتخابات 2009 لن يتكرر، وستجري الانتخابات وفق ما يريده النظام.

لن يتورع ملالي طهران عن فعل ما يرونه ضرورة من أساليب القمع، ويساعدهم في ذلك أن العنف غير المسبوق الذي يمارسه النظام في سوريا ضد شعبه، بدعم من طهران، قد رفع سقف القسوة التي يمكن لنظام شمولي أن يمارسه ضد شعبه.. وليس أدل على ذلك من نوعية الشريحة الصحافية التي تم اعتقالها، وكأن النظام يحذر الإيرانيين من عدم تعليق أي أمل على الصحافيين، أو على الناشطين المدنيين، وبث الخوف من أن لا أحد بمنأى عن الاعتقال.

هذا النظام، وبعد الحركة الخضراء، اعتقل ما يزيد على مائة صحافي، هناك من أعدم، وبقي آخرون في السجن، فيما رحل عشرات إلى خارج إيران خوفا. اليوم، تصطدم المعارضة الإيرانية بالسقف الأقصى لإمكانياتها على التعبئة والتحرك، لكن رغم قساوة النظام فإن الوضع العام المحبط والمخيب في إيران، والذي كان سببا لولادة هذه الحركة، لا يزال قائما، وكأن النظام في إيران يرى في طموحات مواطنيه تهديدا لوجوده.

إنه جوهر المأزق اليوم، الذي لن تحسمه اعتقالات عشوائية بحق صحافيين.

diana@ asharqalawsat.com