الوقت ملائم للحوار مع كوريا الشمالية

TT

خلال الليل في مقر الضيوف (كوبانغسان) في بيونغ يانغ، في كوريا الشمالية، لم يكن هناك الكثير يمكن القيام به قبل الخلود إلى النوم. لم تكن هناك شبكة هواتف جوالة أو خدمة إنترنت لتوصيلها بالحاسبات المحمولة. يبث تلفزيون كوريا الشمالية عددا محدودا من الساعات يوميا. يبث التلفزيون فقرات دعائية ويعيد كلمات كيم يونغ أون، والاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد جده كيم إيل سونغ. ظهر الزعيم الصغير قائلا الآن إن الأمن صار مضمونا بعد نجاح إطلاق القمر الصناعي والاختبار النووي - توليفة تشكل، من وجهة نظره، رادعا كافيا من الاعتداء والغزو الخارجي، ذلك الخوف الذي يضرب بجذوره في وعي الكوريين الشماليين - ويمكن لاهتمام الدولة أن يتحول إلى التنمية الاقتصادية.

سمع وفدنا إلى كوريا الشمالية رسالة مماثلة من مسؤولين حكوميين. لكن على الرغم من الشكوك الكبيرة بشأن ما قيل في اللقاءات الدبلوماسية الخاصة، تتضاءل الشكوك عندما يتحدث الزعيم إلى شعبه بشكل مباشر، حاملا رسالة مماثلة ثلاث مرات يوميا، حيث يعد الزعيم شعبه بما سيأتي.

لسوء الحظ، يرى يونغ أون أن التحول للتركيز على التنمية الاقتصادية يمكن الرجوع فيه، فقد أكد ممثلوه لنا أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في فرض عقوبات إضافية في الأمم المتحدة، فسوف تعتبر كوريا الشمالية ذلك عملا عدائيا، وقد يدفعها هذا إلى الرد، مهددين بإجراء اختبار نووي آخر.

وقد سمعنا بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية تهديدات بإجراء اختبارات نووية وإطلاق صواريخ باليستية. وخلال زيارتنا تحدث إيريك سكميدت، الذي شارك في قيادة وفدنا والرئيس التنفيذي لـ«غوغل»، عن مميزات تبني الإنترنت وزيادة تكنولوجيا الهواتف الجوالة. ولم تلق رسالته استجابة جيدة من المسؤولين والعلماء والطلبة. لكن التنمية الاقتصادية والوصول إلى التكنولوجيا والتنمية لا يتوافقان مع التهديدات النووية، وإن هذه التهديدات أدت إلى زيادة العزلة وخفضت المعونات الدولية وجعلها تتجمد في التقدم التكنولوجي.

طبيعة العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وباقي دول شبه جزيرة آسيا مؤلمة. من الواضح أننا نرى جميعا العالم بطرق مختلفة جذريا. وسوف يتطلب تغيير مسار هذه العلاقات قيادة شجاعة.

بادئ ذي بدء، ينبغي على كوريا الشمالية أن تتوقف عن إجراء المزيد من الاختبارات النووية أو إطلاق الصواريخ الباليستية. وإذا أردت أن تخرج من حفرة، في البداية ينبغي عليك أن تتوقف عن الحفر. إذا كان زعيم كوريا الشمالية ينوي بصدق إعادة التركيز على التنمية الاقتصادية لشعبه، فهو بحاجة إلى كسر دورة العنف في التصعيد. ويمكن كبداية جيدة أن تبدأ بإطلاق سراح كينيث باي، الأميركي الذي اعتقل في نوفمبر (تشرين الثاني).

الأمر الثاني، أن ندرك أن غياب حوار مباشر لا يساعدنا في تحقيق أهدافنا. والحوار ليس لتأييد أو إضفاء الشرعية على موقف معاكس، لكن تبادل الآراء والأفكار سيساعد كلا الجانبين في فهم أفضل للآخر وتحديد فرص النجاح.

وترفض الولايات المتحدة سلوك كوريا الشمالية في ما يتعلق ببرنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم وانتهاك حقوق الإنسان. والأدوات الدبلوماسية قوية ومتنوعة. لكن على الرغم من جدارة العقوبات وشرعيتها فإن الحوار كذلك أيضا، والاثنان لا يستغنيان بعضهما عن البعض.

ثالثا، زعيم كوريا الشمالية ليس القائد الجديد الوحيد في المنطقة، فالقيادة الجديدة في كوريا الشمالية والصين واليابان تشير إلى فرص جديدة، وقد تجلى ذلك بشكل خاص في التصريحات الأخيرة الصادرة عن زعماء الكوريتين عن تجدد الرغبة في الحوار، حيث دعت رئيسة كوريا الجنوبية المنتخبة، بارك غوين هي، المجتمع الدولي إلى إجراء هذا الحوار.

رابعا، لا يمكننا الاعتماد على الصين، أوثق حلفاء كوريا الشمالية، في منع الانتشار النووي، وقضايا مثل مناطق النفوذ واللاجئين، لأنها تزيد من تعقيد العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، التي تدرك هذه التعقيدات وتأبى الانصياع بسهولة لتعليمات أو المطالب الصينية.

أكثر ما شهدناه مؤخرا في بيونغ يانغ كان مفتعلا، لكنه لم يكن كل شيء. فعلى الرغم من مرافقة أحد أفراد وزارة الخارجية لنا تمكنا، بناء على طلبنا، من محاولة إجراء بعض مقابلات مع مواطنين خلال أنشطتهم اليومية، وقمنا بجولة شبه عشوائية في مترو الأنفاق، ورأينا عروضا للألعاب البهلوانية ومسرحية حب إقطاعي أمام آلاف العائلات في مسرح بالغ البرودة، ورأينا الأطفال يلهون في الجليد الذي يغطي الشوارع.

تختلف مجتمعاتنا اختلافا كبيرا من دون شك، لكن الكوريين يرغبون ويستحقون حياة أفضل من تلك التي يعيشونها. وإذا كان الزعيم الشاب صادقا في تصريحاته لشعبه بشأن تحسين مستوى المعيشة، فأول شيء ينبغي عليه القيام به كسر حلقة التصعيد، والتوقف عن إجراء المزيد من التجارب والدخول في حوار مباشر مع الولايات المتحدة.

* بيل ريتشاردسون حاكم ولاية نيومكسيكو السابق ووزير سابق للطاقة وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة خلال إدارة كلينتون.. وميكي بيرغمان مستشار بارز في مركز ريتشاردسون للحوار الدولي والرئيس التنفيذي لمعهد «آسبن» لبرنامج التحالفات الدولية

* خدمة «واشنطن بوست»