رسالة الرسم الكاريكاتيري: الانتخابات الإسرائيلية.. هل يستمر تعزيز السلام؟

TT

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، مثلما يقال، الملك نتنياهو، لا يزال يتصدر الأخبار. إنه أشبه بطعام غريب أو سمك قاروص إذا شئت، ولكنه مليء بأشواك سامة. إذا اتفقنا مع ألكسيس دي توكفيل على أن التاريخ عبارة عن معرض صور قليل منها أصلي وكثير منها مقلد، فسيكون نتنياهو هو النسخة المقلدة لآرييل شارون، على الرغم من أن ذلك غريب لأن شارون لا يزال على قيد الحياة.

قبل عامين، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، حينما كان ساركوزي وأوباما يتحدثان في غرفة خاصة في مجموعة العشرين، أخبر ساركوزي أوباما بأنه لا يروق له نتنياهو، قائلا: «لا يمكنني تحمله. إنه كاذب». ورد أوباما: «إنك قد ضقت ذرعا به، لكن يتعين عليّ التعامل معه كل يوم!».

بالرجوع إلى تلك الفترة، نجد أنه لم يقل أحد إن أوباما وساركوزي معاديان للسامية. مؤخرا، نشرت صحيفة «صنداي تايمز» المرموقة في المملكة المتحدة، رسما كاريكاتيريا للفنان غيرالد سكارف في يوم ذكرى الهولوكوست نهاية الأسبوع الماضي. كانت تلك بداية عاصفة من الانتقادات ضد الصحيفة وأشهر رسامي الكاريكاتير فيها. لقد وصف رئيس جمعية الكاريكاتير السياسي الضجة المحيطة بالرسم الكاريكاتيري الذي اتهم بأنه معاد للسامية بأنها مجرد «زوبعة في فنجان». لكن يجب أن نضع في الحسبان أن تيم بنسون شخصية يهودية شهيرة. إضافة إلى ذلك، قال ستيف بيل، رسام الكاريكاتير في صحيفة «الغارديان»: «لم يكن هذا رسما كاريكاتيريا سيئا. وتكمن المشكلة المتعلقة بدولة إسرائيل واللوبي الصهيوني في أنهما لا يعترفون مطلقا بجريمة التطهير العرقي التي قامت عليها الدولة».

دعوني أعرض لكم مثالا شهيرا آخر. في عام 2003، اتهم بنسون بكونه «نازيا وفاشيا يمينيا متطرفا»، حينما منحت جمعية الكاريكاتير السياسي رسما كاريكاتيريا مستقلا مثيرا للجدل، يصور القائد الإسرائيلي آرييل شارون يأكل طفلا رضيعا، لقب أفضل رسم كاريكاتيري سياسي للعام. كذلك، رسم ديف براون كاريكاتيرا، ونال عنه جائزة أفضل رسم كاريكاتيري سياسي لعام 2003. وقال تيم بنسون إنه أصبح يتلقى أكثر من 400 رسالة بريد إلكتروني غاضبة يوميا وتم تحطيم نافذة مكتبه منذ أن تم الإعلان عن الجائزة.

على الجانب الآخر، لم يشر كبير حاخامات المملكة المتحدة إلى رسام الكاريكاتير بوصفه معاديا للسامية. وقد حذر من مخاطر الصور «المحرضة» مثل الرسم الكاريكاتيري لغيرالد سكارف المنشور بصحيفة «صنداي تايمز» عن نتنياهو.

لم يذهب لورد ساكس بعيدا إلى حد وصف الرسم الكاريكاتيري لسكارف بأنه معاد للسامية. يصور الرسم الكاريكاتيري القائد الإسرائيلي وهو يبني جدارا تتخلله جثث فلسطينيين باستخدام إسمنت ممزوج بالدم. وأشار إليه البعض باعتباره يذكر بالمذابح التي ارتكبت ضد اليهود.. غير أن كبير الحاخامات أشار إلى أن خطر نشر هذا النوع من الرسوم الكاريكاتيرية في يوم ذكرى مذبحة الهولوكوست في صحيفة قومية مرموقة هو أن مثل تلك الصور «ترسخ لصورة تشويهية لليهود في وقتنا الراهن وهي أن اليهود، ضحايا مذبحة الهولوكوست، يعتبرون الآن مذنبين بجريمة مماثلة».

في هذا المقال، أود التركيز على آخر جملة للورد ساكس. أولا، أعتقد أن علينا التمييز بين اليهودية والساسة اليهود أمثال نتنياهو وشارون، تماما مثلما نرفض مزاعم أعضاء تنظيم القاعدة بأنهم يمثلون الإسلام الحقيقي ونفصلهم عن الإسلام الحق. ثانيا، يجب أن نفرق بين الدولة والكنيسة، بين المعبد اليهودي والمسجد.

دعوني أعرض لكم مثالا آخر، نحن نعلم جميعا أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، لقد قيل إن إسرائيل لديها أكثر من 400 رأس حربي نووي.

هل صنعت تلك الرؤوس الحربية اعتمادا على اليهودية؟ هل إذا وجه شخص ما انتقادات لإسرائيل على قدراتها النووية يعني هذا أنه معاد للسامية؟

قبل عامين، عندما نشر غونتر غراس (الحائز جائزة نوبل) قصيدته، اتهم بأنه شخصية نازية ومعادية للسامية. ما الذي قاله في قصيدته وجعله يتعرض لكل هذا الاتهام؟ انتقد فقط الصمت الهائل في ما يتعلق بالأسلحة النووية الإسرائيلية.

الآن، لنعد إلى رؤية لورد ساكس، فهو يحذر رسام الكاريكاتير والصحيفة، بقوله إن تلك الصور «ترسخ صورة تشويهية لليهود في وقتنا الراهن».

يقول لورد ساكس، الذي يشرح آراءه بذكاء في روايته «الثلاثية الليلية»: «معاناة البشرية في أي مكان تقلق الرجال والنساء في كل مكان».

ولهذا، تشكل معاناة الفلسطينيين أهمية بالنسبة له. في روايته، يوجد فصل بارع يروي حكاية ضابط إسرائيلي أمر بقتل فلسطيني ألقى الإسرائيليون القبض عليه.

كان الضابط ضحية لمخيم جماعي في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية. يتمحور حوار الضابط مع ذاته حول ما إذا كان عليه أن يقتل نفسه أم لا. يصف الفصل تغيير الهوية ويبعث برسالة قوية جدا مفادها أن كل ضحية لديها القدرة على أن تتخذ شخصية قاتل ومنفذ عمليات تعذيب.

لا يمكننا إنكار الوعي الطبيعي للبشر. من الواضح أنه بناء على خطة إسرائيل، لا توجد مساحة للفلسطينيين للعيش في فلسطين. لقد أصبح إلقاء القبض عليهم وحبسهم لفترة طويلة ومشاهدتهم تدمير منازلهم وحقولهم حقيقة أساسية في حياتهم.

ثمة تساؤل غاية في الأهمية يطرح نفسه هنا، ألا وهو: أين وطن الفلسطينيين في أرضهم؟ بغض النظر عن يوم ذكرى الهولوكوست، فمع نشر هذا الرسم الكاريكاتيري في صحيفة «صنداي تايمز»، أعتقد أنه ستتعزز استراتيجية نتنياهو - احتلال الإسرائيليين الوطن بأكمله - من قبل الأحزاب الجديدة في إسرائيل. وهذه هي المشكلة المحورية، وليس نشر رسم سكارف الكاريكاتيري في صحيفة! وتتمثل النقطة الثانية المهمة التي يجب أن نضعها في الحسبان في أن علينا التمييز بين اليهودية ودولة إسرائيل، تماما كما نميز منطقيا بين تنظيم القاعدة والقيم الإسلامية.