الاستفادة من الكوارث

TT

لكل وضع وحالة مستفيد يستغل الظروف للحصول على أهم العوائد ومضاعفة الأرباح. حتى في حالات الحروب يكون هذا الأمر قائما، ونرى نماذج من الناس تتألق في تلك الظروف ليتم وصفهم بأغنياء الحرب. واليوم مع استمرار ظاهرة الربيع العربي الممتدة منذ الفترة الأخيرة من عام 2010 حتى اليوم نجد نماذج وقطاعات لافتة ومهمة قد تمكنت من الاستفادة القصوى من ذلك ومضاعفة العوائد وانتهاز الفرص بشكل مبهر. فهناك قطاعات ومناطق وجهات وشخصيات يبدو جليا وكأن الربيع العربي قد صمم لها ولأجلها. والقطاع الإعلامي بصورة رئيسية يبدو أنه المستفيد الأبرز، فكمية المحطات الفضائية الجديدة ومواقع الإنترنت ومكاتب الإنتاج والمراسلين والصحف التي أنشئت في دول الربيع العربي والدول المتابعة لتلك الظاهرة لم يعد من الممكن إحصاؤها بسبب كثرتها، وطبعا هناك منها من نجح وتوسع وهناك من حاول لكنه باء بالفشل واضطر لغلق أبوابه.

وما ينطبق على قطاع الإعلام ينطبق كذلك على قطاع الاتصالات، فشركات الاتصالات اليوم تقدم خدمات «خاصة» بتكاليف مميزة وعالية وبنسب ربحية استثنائية جراء الظروف الخاصة بتلك الدول، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك هو النتائج الكبيرة التي حققتها شركة «الثريا» للاتصالات والهواتف الجوالة التي تعتمد على الأقمار الصناعية، فهي تمكنت من بيع العديد من الأجهزة بشكل ملحوظ في ليبيا واليمن وسوريا بالذات، وطبعا كانت هناك استفادات كبيرة جدا في قطاع الإغاثة وما يتبعها من اهتمام بتوريد الأغذية والمواد واللوازم الصحية والطبية والسيارات والشاحنات وشركات النقل المصاحب ومواد الإيواء من خيام وبيوت مسبقة الصنع، وهي كلها وغيرها «أبواب ثراء سريع» في ظل وجود حالات إنسانية صعبة تستدعي الدعم والعون والتبرع بمبالغ كبيرة لأجلها، لكنها كذلك تفتح الأبواب للاستفادة القصوى من هذا الوضع في ظل غياب حقيقي للشفافية والحوكمة والمراقبة والتدقيق المالي المطلوب والسليم، وهي المسألة التي تجعل من «إطالة» المأساة وعدم الإسراع في الحل القطعي مسألة تصب في صالح البعض المستفيد والمتنفع، وهم مجاميع نافذة ومؤثرة حتى وإن كانت غير ظاهرة وعلنية.

لكن حتى هذه الاستفادة الظاهرية هناك استفادات «أكبر» وأهم، مثل تجارة السلاح والذهب والنفط والعملات والأصول الكبرى، وطبعا هناك الصفقات الكبرى التي تتم لأجل تبييض أموال الأنظمة ومن يتعامل معها، وهي المسائل التي تمت لأنظمة دول الربيع العربي، بعض منها تم بشكل بدائي هو أشبه «بالغسيل اليدوي» الذي يمكن الوصول إليه وتتبع منابع مصادر الثروات فيه، وهناك نوع آخر أكثر تعقيدا وأكثر دقة وهو أشبه «بالغسيل الجاف على البخار» يكون من الصعب جدا معرفة أصول الثروات فيه ومصيرها، وهو الأمر الذي يفسر عجز الحكومات الثورية التي جاءت لاحقا عن استعادة أي من المبالغ المسلوبة من الحكومات السابقة التي أسقطتها تلك الثورات.

وكل ذلك يدخل في دائرة «المستفيدين» من الربيع العربي، وطبعا تأتي مع ذلك الأمر أرتال من المحامين والمحاسبين القانونيين والمخبرين الخاصين الذين يجتهدون لأجل استعادة هذه الأموال، لكنهم في النهاية يطاردون سرابا ووهما لا أكثر، وذلك لأن المسألة كانت معقدة جدا، وكانت أيضا جزءا من صفقة كبرى وقعت تحت أيدي «المستفيدين» الذين منهم المصارف الدولية التي لن تعيد أيا من المبالغ المسلوبة تحت ذريعة أعذار قانونية تحمي سرية عملياتها.

ومن ضمن المستفيدين أيضا العقاريون وتجار المنازل حول العالم خصوصا في مناطق مثل لندن وباريس وسويسرا وقبرص ودبي وبيروت، وهذه المناطق شهدت إقبالا مهولا على التملك العقاري فيها كنتاج للربيع العربي من دون التدقيق في مصادر المال ولا غايات التملك، لكنها فرصة للاستفادة من حالة استثنائية «لنقل» الثروات جغرافياً. وتحديد المستفيدين ومراقبة درجات الاستفادة يعطيان الفرصة للتأمل في «حجم» المشكلة ومدة انقضائها ومدى الحل، لأنه بكبر حجم الاستفادة يقدر طول المدة وخطورتها. ولذلك كانت المشكلة السورية هي الأطول حتى الآن، لأن حجم الاستفادة من استمرارها كان الأكبر بلا أي شك.

[email protected]