النار تغرد في مصر

TT

في صحف الغرب قسمان يسبقان تأسيس أي صحيفة: القسم القانوني، وقسم التحقق من صحة ودقة ما يُنشر. كان مصطفى وعلي أمين أول من التزم هذا التقليد، حفظا لكرامة الناس وكرامة الكاتب وكرامة الصحيفة. وقبل ذلك كله كرامة المهنة.

تفتح وسائل الإعلام الحديثة بابين: الأول باب المعلومات السريع والوسيع، والثاني باب الإشاعة والهوس والدس والتهجم والسباب والبذاءة. والصنف الثاني كان ولا يزال موجودا في الصحافة القديمة أيضا، وهو ينمو كالفطر والطحالب على كعوب الأشجار الصلبة والصالحة.

الإنترنت التي «صنعت» ثورة 25 يناير، تفرعت الآن، مثل الثورة نفسها، إلى طرق شتى. وبعض ما يرد على «تويتر» يلهب الخلافات المشتعلة أصلا، ويزيد في الفوضى، وفي ما يبدو أنه لم يعد فوضى ولا منازعات بل فتنة متنقلة في أرجاء مصر. ومن ظواهرها التهم المتبادلة بين شيء يسمى «الجناح العسكري لعائلة آل مقداد» في لبنان، والجناح المقنع للظاهرة المقنعة التي تعرف الآن بـ«البلاك بلوك»، أو الكتلة السوداء، أو الفريق الأسود، نوَّر الله عليكِ يا مصر.

وعُرف هذا النوع من الأقنعة أول مرة في ألمانيا خلال السبعينات، مع انتشار الحركات العنفية الفالتة وتكاثر الفوضويين وتسللهم إلى الحركات العامة، كما يحدث في مصر اليوم. وما بين «تغريدات» شباب «الإخوان» وترديدات الأقنعة السوداء، قد ينفجر في أي لحظة بركان طائفي لم يحاول العهد الجديد استدراك حممه.

وعندما يظهر المقنعون في شوارع الدول، لا يعود أحد يعرف من يختبئ وراء القناع، ومن أرسله، ومن يديره من خلف قناع آخر.

ولا ندري ما الحاجة إلى الأقنعة ما دام ألوف الشبان ينزلون إلى الشوارع كل يوم بوجوه معلنة وحجارة معدة. وبدل «حريق القاهرة» الآن «حريق مصر». وأول خبر على موقع «المصري اليوم» هو «أسعار العملات الأجنبية» بحيث يعرف المصريون أين أصبح الجنيه في كل ذلك، وكم رغيفا يشتري. وكان الرئيس محمد مرسي قد أدلى قبل أسابيع قليلة بتصريح قال فيه إن مصر لا يهمها تدهور الجنيه أمام الدولار، مما جعل المصريين يتذكرون أن الطريق إلى الرئاسة يجب أن يمرَّ بتجارب كثيرة في شؤون الحكم.