سيارة الوزير وزوجته.. والصديقة

TT

يوم الأربعاء، اعتذر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أمام مجلس العموم البريطاني للشعب، عن أخطاء لم يرتكبها هو، وإنما نتيجة إهمال هيئة التمريض، والأطباء، والإدارة في بعض المستشفيات العمومية أدى إلى وفيات.

زعيم المعارضة إدوارد ميليباند، اعتذر بدوره عن الأخطاء نفسها نيابة عن حزب العمال، الذي كان في الحكم حتى 2010 ويتحمل مسؤولية إعادة تنظيم الخدمات الصحية في التسعينات، بمفاهيم المؤسسات الاستهلاكية كرفع الإنتاجية وتخفيض المصروفات، وليس بعقلية طبيب، فلسفته عدم إخضاع صحة المواطنين لحسابات معادلات السوق الاقتصادية.

اعتذر رئيس الحكومة، وكان بإمكانه التحجج بأنه ورث نظام رعاية صحية من الحكومة العمالية، تتناقض فلسفة إدارته مع الفلسفة الأساسية للرعاية الطبية؛ مما أظهره كزعيم لا يتهرب من المسؤولية، بل يتحملها كربان سفينة يحاسب على أخطاء كل الطاقم، وأخطاء مهندسي الصيانة الذين تولوا إصلاحها في الميناء قبل أن يقودها هو إلى البحر.

قبلها بيوم، استقال أحد أشهر زعماء «الديمقراطيين الأحرار» (شركاء المحافظين في الائتلاف الحكومي) كريس هيون من مقعده البرلماني، بعد ساعة واحدة من اعترافه أمام المحكمة بالكذب في أقواله (وغالبا، سيحكم عليه بالسجن لمحاولة تضليل القضاء والتأثير على مسار العدالة). وكان هيون استقال العام الماضي من منصبه كوزير للطاقة بعد كشف الصحافة عن أنه وزوجته السابقة كذبا في أوراق رسمية، في محاولة لتضليل القضاء بادعاء أنها كانت تقود سيارة خالفت السرعة القانونية، في حادثة سجلتها كاميرات بوليس المرور قبل عشر سنوات. وكان الوزير السابق سيتعرض، لا محالة، لسحب رخصة القيادة منه، وهو ما دفع زوجته (لم يكونا قد انفصلا بعد آنذاك) للادعاء بأنها كانت تقود السيارة. الكذب علنا يثير الاستفزاز والاشمئزاز. واتهام نائب مباشرة بالكذب في البرلمان، لا يسمح به أثناء المناقشات، وقد يتعرض نائب للطرد من الجلسة والحرمان من جلسات أخرى إذا استخدم كلمة «كاذب» لوصف نائب آخر، ولذا تستخدم تعبيرات مهذبة مثل «النائب يقتصد في سرده للحقائق»، أو توصف شهادته «بعدم الدقة»، أو «تناقض تفاصيل الوقائع». ولذا، فأكثر ما يحول صورة السياسي أو الشخصية العامة من بطل إلى شرير في الخيال الشعبي أو أمام الرأي العام، هو ضبطه متلبسا بالكذب، وهو أكثر الوصايا العشر، بعد القتل، كراهية لدى الرأي العام في ثقافة مجتمع، تعتمد معاملاته على الثقة، وافتراض صدق الشخص حتى يثبت العكس بالدليل المادي القاطع للشك.

نفاق الوزير السابق، دفع الصحافة لكشفه، ووقع في حفرة الكذب بمحاولة التستر على النفاق.

فقبل أربع سنوات، كان الوزير السابق ينافس نيقولاس (نك) كليغ في خلافة السير مينزيس كامبل على زعامة «الديمقراطيين الأحرار»؛ وقال في خطبة حماسية في مؤتمر الحزب إن المشكلة في فقدان الشعب الثقة بنظام العدالة هو تقاعس البوليس عن القبض على مرتكبي الجرائم والمخالفات، وجمع الأدلة الكافية لإدانتهم أمام المحكمة. وفي أحاديث تلفزيونية، قال إنه يدعم الأسرة التقليدية كحجر أساس في المجتمع، وطالب بتعديل النظام الضرائبي والمساعدات الاجتماعية لتوفير مناخ اقتصادي يدعم فكرة الزواج وتماسك الأسرة.

والنفاق، أن تمارس عمليا عكس ما تبشر به علنا. فبينما روّج لتماسك الأسرة، أقام علاقة مع امرأة غير زوجته، مما أدى إلى انشقاق أسرته وخصام بينه وصديقته في ناحية، وبين زوجته وولده وبناته في ناحية أخرى. وبينما انتقد البوليس علنا لتقاعسهم عن تقديم المخالفين للمحاكمة، تآمر مع زوجته لإفساد الأدلة نفسها، التي اتهم البوليس بالعجز عن جمعها لإدانة المخالفين للقوانين نفسها التي انتهكها.

الأسوأ أنه قال في مؤتمرات صحافية، وفي أوراق رسمية، وفي جلسة الاستماع الأولى في المحكمة الابتدائية، وفي حفل غداء معنا (الصحافيين)، إنه بريء من تهمة مخالفة السرعة، لأنه لم يكن يقود السيارة وقت تسجيل المخالفة. فقط، عندما اكتشفت الزوجة أنه سيهجرها هي والأولاد إلى امرأة أخرى، دفعتها رغبة الانتقام لإعطاء المعلومات لمعارفها من الصحافيات والصحافيين لأجل «تدمير مستقبله السياسي» مثلما ذكرت في بريد إلكتروني لزميلة صحافية.

محامي الادعاء هو من كشف رسائلها الإلكترونية للمحكمة، بعد أن كان الصحافيون اتفقوا في ما بينهم على عدم نشرها احتراما للخصوصية، حتى طلبها المحامون بإذن قضائي، لمواجهة دفاع محامي الزوجة بأنها أقدمت على التزوير في أوراق المحكمة تحت ضغط من الزوج، بينما تكشف المراسلات عن أنها شاركته التآمر للتزوير في أوراق رسمية طواعية.

وإلى جانب الكذب، الذي يدمر المركز السياسي لأي شخصية ويجعله شريرا أمام الرأي العام، فإن الوزير السابق غالبا سيقضي عقوبة الحبس بتهمة التزوير والكذب على المحكمة (مثل الشهادة الزور التي أدت إلى سجن وزراء سابقين كجوناثان إيتكينز وزير الخزانة في حكومة جون ميجر، واللورد جيفري آرشر الرئيس السابق لحزب المحافظين).

دور الصحافة كان أساسيا في القضيتين؛ فأقارب المرضى الذين عانوا إهمال المستشفيات العمومية شنوا حملة عبر الصحافة أحرجت الحكومة، فأمرت بإجراء تحقيق واسع كلفت به محاميا مشهورا، فكان التقرير الذي أدى برئيس الحكومة وزعيم المعارضة للاعتذار.

وكان دور الصحافة في مقارنة تصريحات وإعلانات وزير الطاقة السابق العلنية بحياته الخاصة، والتحقيق في ملابسات وظروف مخالفة السرعة - هو من كشف نفاقه من ناحية، وعدم أمانته في التعامل مع قضية مباشرة، فضل فيها مصلحته الشخصية على احترام القانون وسلامة المرور، من ناحية أخرى.

دور الصحافة هنا كسلطة رابعة، يجعلها الخندق الأخير في الدفاع عن حقوق المواطن وآخر وأضمن قلاع الديمقراطية، كضمير الأمة المباشر الذي لا تضطره الحسابات الانتخابية أو الغوغائية السياسية إلى المساومة والتفريط في المبادئ، لكنها تدفع ثمنا هو تزايد عدد الساسة، (وكم منهم ينافق أو يساوم على المبادئ، ولم تساعد الظروف على كشفهم بعد؟)، الذين يرون المثالين أعلاه، فيضمون أصواتهم إلى نجوم منافقين ومشاهير مهرجين يريدون فرض الرقابة وتلجيم الصحافة حتى لا تنتقد نفاقهم أو تكشف أكاذيبهم، ويدعون لإصدار قانون لتنظيمها، كتوصيات القاضي ليفسون في تقريره بعد التحقيق القضائي في مخالفات تنصت بعض الصحافيين على الرسائل الصوتية (رغم مثول صحافيين أمام القضاء في ظل القوانين الحالية الصالحة للتعامل مع جميع المخالفات التي جاءت في تحقيق ليفسون).

الحكاية نسوقها للقراء، خاصة في بلدان الانتفاضات (يسميها البعض ثورات الربيع) وهي لا تزال تتلمس طريقها في الظلام لتأسيس نظم برلمانية، وتتخبط في إصدار قوانين تقييد الحريات أكثر مما ترسي من أسس ديمقراطية، بينما يحاصر مجاهدوها مباني الصحف ومدن الإعلام ممسكين بأحجار رجم السلطة الرابعة.

تابعوا الكاتب على «تويتر»

AdelDarwis@