ربيع عربي متجدد.. أم شتاء عربي دائم؟

TT

مع دخول «الربيع العربي» عامه الثالث، بات المشهد السياسي الإقليمي والدولي مختلفا عما كان عليه قبل عام 2011. فحيثما تغير نظام الحكم في بعض الدول العربية، لم يعثر الثوار، بعد، على نظام جديد يحقق أماني الشعب، أو يرسي الدولة على أسس ثابتة.. وفي الدول التي ما زالت الثورة مشتعلة فيها (سوريا مثلا) فإن ألسنة لهيبها باتت تهدد الدول المجاورة لها. أما في الدول التي صمدت أنظمتها أمام رياح هذا الربيع الحار، فإنها منقسمة بعضها على بعض حول مستقبل التعاون العربي وأولويات السياسة الخارجية والتحالفات الدولية. وأما الشعوب العربية، فلقد باتت ممزقة الولاء بين الدين والمذهب والعرق والوطنية والقومية والعشائرية. وأين هذا المشهد المحزن، بل المأساوي، مما كان عليه أبناء العالم العربي في العقود السابقة من وحدة كلمة ووحدة صف وأهداف في نضالهم من أجل التحرر من الاستعمار والتفافهم حول نصرة القضية الفلسطينية؟

لا شك في أن مصالح الدول الكبرى المتضاربة في هذه المنطقة البالغة الأهمية استراتيجيا، لعبت دورها في انقسام الصف العربي. كما لا شك في أن إسرائيل لعبت، سياسيا وعسكريا، دورا كبيرا في ما أصاب الأمة العربية من تفكك وهزائم وفشل. ولكن، كيف ولماذا وقع العرب «في الأفخاخ» التي نصبها لهم أعداؤهم، بل نصبوها لأنفسهم؟ هل السبب هو في أنظمة الحكم العسكرية والديكتاتورية التي حكمت معظم الدول العربية منذ الخمسينات؟ أم هي النزاعات السياسية والحزبية الداخلية والتزاحم على الحكم؟ أم هي تركيبة المجتمعات العربية الاقتصادية والاجتماعية؟ أم هي مشكلة الإنسان العربي الممزق بين التراث والحداثة، والحالم أكثر مما هو عامل؟

لقد انقسمت أنظمة الحكم العربية، في زمن الحرب الباردة، بين متحالفة مع موسكو وأخرى مع واشنطن، وبين محافظة وثورية. بين اشتراكية وليبرالية. بين رافعة لشعار المقاومة لإسرائيل ومؤثرة الحل السلمي العادل للقضية الفلسطينية. أما وقد تغيرت الخطوط الكبرى للسياسة الدولية ونشأت قوى ومصالح اقتصادية وعسكرية دولية جديدة، فإن الانقسامات السابقة سقطت وارتسمت معالم انقسامات جديدة، من أهمها التجاذب بين التيارات الإسلامية الأصولية والتيارات الديمقراطية. وأيضا الصراع العقائدي بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط، الذي بات محورا سياسيا جديدا وضاغطا في أكثر من بلد عربي.

لقد قفزت الأحزاب الإسلامية إلى الحكم في مصر وتونس، وقد تصل إلى الحكم في سوريا وليبيا. ولكن الانقسامات في صفوف الإسلاميين بين إخوان وسلفيين وأصوليين جهاديين قد تتحول إلى صراع على الحكم بين الإسلاميين أنفسهم، يضاف إلى صراع آخر بينهم وبين المدنيين والديمقراطيين والقوميين واليساريين، ارتسمت معالمه في مصر بوضوح؟ أما الحقيقة الأخرى التي اصطدمت بها الأنظمة الجديدة، فهي في إدراكها لبعض الحقائق التي كانت تتهم الأنظمة السابقة بالاستسلام إليها واضطرارها إلى مراعاتها تلافيا لتجدد الحروب أو للانهيار الاقتصادي، كاحترام معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، وقبول المساعدات الأميركية، وتشجيع الاستثمارات الخارجية بشروط المؤسسات النقدية الدولية ومنظمة التجارة العالمية، أي اتباع السياسات التي كانت الأنظمة السلطوية السابقة تتبعها، مع فارق واحد، ربما، وهو إطلاق الحريات العامة وإجراء انتخابات نزيهة. وما يجري اليوم في مصر، مثلا، من مظاهرات مستمرة واضطرابات سياسية، لا يبشر بأيام ديمقراطية سعيدة قادمة..

يرى البعض أن أزهار الربيع العربي لن تثمر قبل سبع أو عشر سنوات، ويرى آخرون أن المفترق المصيري العربي الصعب هو سوريا، وأن دور مصر في العالم العربي لن يغيب أيا كان نظام الحكم فيها. ويذهب آخرون إلى القول بأن المعارك المصيرية الحقيقية ليست في مصر أو سوريا، بل هي التي تخوضها الولايات المتحدة وإسرائيل بوجه التسلح النووي الإيراني، بالإضافة إلى النزاع السني - الشيعي الذي بعثته سياسة إيران الشرق أوسطية.

ولكن هناك من يرى أن وسائل الإعلام والتواصل الحديثة في ظل أنظمة ديمقراطية، وفي يد شعوب بينها وبين المواطنة مسافات وحواجز، إنما هو «كوكتيل» متفجر، أيا كان نوع النظام الحاكم، وكانت راياته. وكل شيء يدل على أن الإسلاميين الذين تسلقوا إلى الحكم في بعض الدول العربية مقبلون على صدام، بات معلنا، مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى. وقد لا يمر هذا الصدام بسلام ولن يفتح أبواب المصير العربي.

ترى، هل نحن أمام ربيع عربي متجدد.. أم شتاء عربي دائم؟