قمة القاهرة: الإسلاموفوبيا أو الديموغوجيا

TT

تجمع إسلامي ضخم امتلأت به قاعات فندق «فيرمونت» في القاهرة. وحديث عن محاور كثيرة وتوصيات متعددة في الدورة الثانية عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي التي غطت معظم القضايا التي يمر بها العالم الإسلامي من قضية فلسطين وسوريا، وصولا إلى قضايا الأقليات في الدول المختلفة. وكان هناك حديث واضح عن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي بدأت تعاني منها الأقليات المسلمة في دول متعددة. وأصبحت هناك انطباعات سلبية عن المسلمين، ليس فقط لدى الأفراد، بل تجاوزت إلى المؤسسات الحكومية. وأصبحت ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام ملموسة وانعكست حتى في ممارسات سلوكية عدائية تجاه بعض المسلمين.

ويأتي تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب التي تسعى إلى تقليص عدد المسلمين، وبل بعضهم يدعو إلى طردهم من الدول الغربية، انعكاسا لمعطيات وواقع جديد. وأصبح هناك من يحذر من تنامي عدد المسلمين وخطر ذلك على التركيبة الديموغرافية للدول الأوروبية. وإن كان هناك بعض الأخطاء والأصوات التي تصدر من المتطرفين حتى في الغرب، لكنه أيضا ليس من المنطقي تحميل الآخر مسؤولية هذا الواقع. فممارسات بعض المسلمين وبعض التصريحات الاستفزازية تعطي أرضية خصبة لاستغلالها، وخاصة أن هناك مراكز رصد لهذه التصريحات وتستخدم بشكل واضح في تصوير المسلمين على أنهم يعادون الآخر ويفتقدون التسامح والانفتاح.

وتأتي الديموغوجيا كوسيلة سهلة لكسب الشارع كما سماها غوستاف لوبون في كتابه «سيكولوجية الجماهير»، فجاذبية أو غواية الجمهور تقود السياسي أو رجل الدين إلى المساحات التي تخاطب المشاعر ويكسب من خلالها الجمهور حتى لو كان على حساب المحتوى والمضمون. فالديماغوجيون يستخدمون شعارات وعبارات رنانة، والهدف الوصول إلى غاية لا يدركها الجمهور الذي يتفاعل مع النص بتلقائية. فالجماهير كما يرى لوبون لا تفكر عقلانيا، بل هي تستمتع بمن يقودها وهي ذات ذاكرة ضعيفة. وكم من أقوال وتصريحات سببت تصدعا في الصورة النمطية للمسلمين دون أن يكون هناك أي فعل وينحصر في الخطاب فقط، وأحيانا من أطراف أو أشخاص هامشيين.

وهذا الانفعال اللفظي ينطبق على أشخاص من الجانبين، فمثلا حين قام القس الأميركي المتطرف تيري جونز بتهديده بحرق المصحف الشريف رفضت الكنيسة الإنجيلية المشيخية الرئيسية مستنكرة ما قام به القس، وأكدت أنه «لا يعبر إلا عن ذاته فقط». وهناك تصريحات لسياسيين تعكس التخوف من المسلمين. كما أن المتطرفين في كلا الجانبين هم شريحة محدودة، ولكن الصوت النشاز عادة ما يكون مرتفعا. وهنا يتطلب صوت العقل والحكمة التي تغلب المنطق على الانفعال، وتنظر للصورة بأكملها بدلا من اختزالها في جزئية مشوهة.

وكانت كلمة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي ألقاها ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، قوية في مضمونها، وتسمي الأشياء بأسمائها. فقد أشار بصراحة إلى استفحال ظاهر كره الأديان ورموزها من بعض أصحاب النفوس الضعيفة. وقال: «.. الذين اتخذوا من حرية التعبير والرأي وسيلة للهجوم على المسلمين ومقدساتهم دون أي رادع أخلاقي وقانوني لتجريم مرتكبيها. لذا فإننا نطلب من كافة الدول الأعضاء بالمنظمة أن يدعموا مقترح المملكة العربية السعودية لدى هيئة الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين أي جهة، دولة أو مجموعة أو أفرادا، تتعرض للأديان السماوية وللأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، ووضع العقوبات الرادعة لمثل هذه الأعمال». وهو القرار الذي يتوقع أن تتخذه القمة بدعم طلب خادم الحرمين الشريفين وتفعيل دور الأمم المتحدة في هذا الجانب. إن تحويل مجابهة هذه الظاهرة إلى عمل دولي منسق وتحت إشراف منظمة عالمية يعطي ضمانة لوجود معايير تطبق على الكل كما تؤكد استمراريتها على المدى البعيد.

وكان إنشاء مرصد دولي تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي خطوة في الطريق الصحيح لمجابهة هذه الظاهرة. ويميل مؤتمر القاهرة إلى وصف الخطاب المتشدد بأنه تهديد يواجه ثقافة التعايش السلمي والتسامح بين المجتمعات والأديان. وهناك دعوة إلى وضع استراتيجية موحدة لحمل المجتمع الدولي على سن قوانين وتشريعات للتصدي لظاهرة الأعمال المحرضة على التعصب والكراهية.

ومبدأ التسامح لا يقف عند التسامح مع الأديان الأخرى، بل حتى مع أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، ولذلك كانت دعوة المؤتمر في مسودة البيان الختامي إلى رفض التشدد ووضع مناهج تعليمية على نحو يرسخ صورة الإسلام في التسامح والحوار والتعددية، نقطة مهمة تتطلب التنفيذ. وكذلك دعوته إلى مكافحة التطرف وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى. وهذا يعزز من المقترح السعودي الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر مكة الأخير لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب لتعزيز الوحدة والتضامن بين المسلمين. وهذه الدعوة تأخذ أهمية كبيرة، وخاصة في ظل التوظيف السياسي للخلاف المذهبي بين المسلمين، واستخدامه كوسيلة سياسية تثار عند المبرر السياسي.

وإذا كان المسلمون يتحملون مسؤولية في تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا فإن بعض وسائل الإعلام الغربي والمنتج الهوليوودي أسهمت في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن الإسلام، وهي تستند إلى اختيارات انتقائية سواء في النصوص الإسلامية أو ممارسات بعض المسلمين، وكذلك تستعيد بعض إفرازات المدرسة الاستشراقية التي شابها كثير من التشويه والتحامل وتعاملت في كثير منها على الروح العدائية بين المسلمين والغرب.

ومن جانب آخر، يعكس الواقع الإسلامي المتأزم الذي يعاني من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية. والمجاعات والحروب بين دوله صورة سلبية ويعكسها الإعلام بتقديم صورة سلبية عن الإسلام، في حين أن الواقع يقول إن هناك فرقا بين الدين الإسلامي كدين وواقع المسلمين الحالي؛ فالصورة الحالية سلبية ولكن من يقيم حضارة لا يستند إلى واقعها الحالي فقط بل والتاريخي والإنساني؟

إن الإقرار بالتعددية واحترام تقاليد المجتمعات ومعتقداتها يفتح الباب لفكر تسامحي راق. فكل حضارة تتمايز عن الأخرى بطريقتها ونموذجها ومعتقدها. فإصدار الأحكام من زاوية واحدة ومن خلال مفهوم واحد هو ظلم للمعايير الواقعية التي يتطلبها المنظار العقلاني. وفي الجانب الإسلامي يجب أن يكون الشخص الذي يتصدى للإعلام قادرا على محاورة الآخر بلغة عصرية ومتناسبة مع المتلقي.

يعقد مؤتمر القاهرة تحت عنوان «العالم الإسلامي.. تحديات جديدة وفرص متنامية». وهو منطق صحيح، ففي الأزمات تكون هناك الفرص المواتية. فكلمة أزمة في اللغة الصينية من مقطعين الأول أزمة والثاني فرصة. فنحن في حاجة للفكر الإيجابي الذي ينظر للمعطيات والإمكانات المتاحة في العالم الإسلامي، والتركيز على القواسم المشتركة وهي كثيرة بدلا من محاولة اصطياد نقاط التباين المذهبي أو السياسي. فالفرصة متاحة للجميع، أفرادا وحضارات، هناك من يحتضنها وآخرون يتفننون في تضييع الفرصة تلو الأخرى.