تنبه السوريون إلى أن سقوط النظام يعني تقسيم سوريا وتفتيتها

TT

* نعم

* في 8 فبراير (شباط) 2011 كانت الزيارة إلى براد في حلب، ويومها قلنا ربي عوضت علينا ولو جزئيا حرماننا من زيارة كنيسة بيت لحم بزيارة أرض القديس مارون، وكأن صلاتنا استباق لما آلت إليه الأمور من ضرب لجوهر الأديان في المنطقة تحت عنوان جذاب ومغر «الربيع العربي».

وددت أن أستهل مقالتي بتذكر هذا التاريخ لكي لا يضيع التاريخ بالتواريخ الطارئة قافزا فوق التواريخ - المداميك لتاريخ المنطقة.

خارطة طريق رسمها «المجتمع الدولي» باعتراف وزير الخارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، وباعترافه شخصيا لضرب سوريا آخر معقل للحفاظ على الهوية، فلا بد من إنهاء صلاحيات أنظمة «صنعت في أميركا»، ما يعطي دفعا لأي معارضة بتعزيز أحلامها بالتغيير، فاستخدمت المعارضة الفعلية بشيبها وشبابها وقودا للميادين؛ ليقطف البديل المهيأ الانتصار باعتراف وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بتاريخ 27 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

سقط زين العابدين بن علي، وتكاد تسقط تونس عبر اغتيال مفكريها وفكرها. سقط حسني مبارك، وكادت أن تسقط مصر لو لم يتحرك شارعها لمحاربة الغزو الفكري المستجد. وفي مصر لم يصمد البديل، وسرعان ما انكشف لأنه لا يمثل مصر الثورة الحاضرة، ولا الثائرة الدائمة، ولا التاريخ الطاعن في تحديد الهوية العربية.

في ليبيا أسقط معمر القذافي، وسقطت ليبيا، بل توزعت مناطق قبائل كان معظمها للأمس مكتفيا على الأقل ماديا، فبات متسولا على أبواب من نهب ثروات ليبيا.

«خارطة طريق» بدل أن تضيء الدرب للمعارضة الفعلية في سوريا أضاءت الرؤية، فالبديل جاء أسوأ وأكثر خطورة، فإذا بالمعارضين بحق، إما أعادوا التموضع أو أعادوا القراءة؛ لأن ضرب النظام لا يكون بضرب الوطن، فإذا ولدت معادلة جديدة لم يتنبه لها «المجتمع الدولي»، وهي وحدة الحال بين القيادة والقاعدة، ما يمتن ويحصن الدولة، وهذا لم يكن بحساب «المهندسين الدوليين» الذين يقرأون العالم العربي بالجملة.

وبدأت في سوريا وبدأ العداد الدولي: شهر، شهران، فصل، فصلان، عيد، عيدان، وكرت سبحة الأيام ونحن على بعد شهر تقريبا من مرور سنتين على بداية الأحداث في سوريا. واستمرت سوريا رغم الدم الذي سال شهداء وضحايا، ورغم الخراب الذي طال أماكن سياحية ودور عبادة دينية... ومعظم الخراب مقصود. ورغم حصار دولي ومد للمسلحين بالذخيرة والأموال والعتاد.

وتعددت المبادرات الدولية وتوالى الموفدون إلى سوريا، وكلما لاح أمل يعود فينطفئ.

وصمدت سوريا... وبصمودها تكرس عدم إمكانية الفصل بين النظام والأرض.

وتنبه السوريون إلى أن سوريا المستهدفة وسقوط نظامها يعني سقوطها وانهيارها حد التقسيم.. إذا لم نقل التفتيت.

وقد يسأل أحدنا كيف استمرت سوريا؟ يطرح السؤال على أي كان إلا على اللبناني، وكيف استمر لبنان؟ بالسحر أو بالإيمان؟

استمر لأن أرض الحضارات لا يمكن أن تمحوها سياسات. والعراق من العين قريب يعيد ترميم نفسه، مصر تستولد ثورتها الحقيقية، وما كان لذلك أن يتم لولا صمود سوريا التي فرضت تعاطيا روسيا مختلفا أعاد إلى التوازن الدولي بعضا من روحه، وفرض على الأميركيين تغييرا في المطبخ الداخلي وفق تسريبات أوباما - ميدفيديف التي سبقت إعادة الانتخاب. فكانت إقالة بترايوس ومرضت - إذا لم نقل تمارضت - كلينتون. وقد يظهر المشهد أكثر في صحف 8 فبراير 2013 التي كشفت عن خطة للمجلس القومي، وتحديدا من وزير الدفاع ليون بانيتا بدعم من بترايوس وكلينتون، لمد المسلحين بالسلاح. فكان رفض أوباما، بما يؤكد انقساما في القراءة والتزاما بتعهدات من قبل الرئيس الذي خرج من عقدة التمديد وهمه، ربما إنجازا يحفظ أميركا من سلسلة الخسارات في المنطقة.

وعليه كان خطاب الرئيس السوري الأخير، خطاب رئيس مرتاح لشعبه، واثق من قدرة بلاده على تجاوز الاختبار، مقبل على انتخابات رئاسية يختار فيها الشعب السوري رئيسه. وإذا كان البعض يعتبر أن العقدة في التسوية هي أحقية ترشح بشار الأسد للرئاسة أو لا، فمعناه أنهم مدركون أن شعبه سيعيد انتخابه... وإلا لماذا هذا التخوف والدوران حول هذه النقطة التي بدأت تتسع رقعتها لتجف بعد ذلك؟

وإذا أردنا إضافة أشبه بالحاشية، نلحظ تحول الأنظار إلى غرب أفريقيا، وإلى مالي، ما يؤشر إلى أن اتجاه البوصلة تغير، وعليه تسارع بعض الدول استيلاد محور جديد جزائري - إماراتي - أردني استباقا لأي «ربيع جديد».

* عضو المكتب السياسي

في تيار «المردة» بلبنان