أستغفر الله العظيم

TT

يعجبني القول المأثور للخليفة الراشد (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، الذي جاء فيه «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل».

وذكر السباحة أولا، لهذا كنت أنا شخصيا حريصا على تفضيلها أكثر من الرماية وركوب الخيل، لسببين: فبالنسبة للرماية، فقد عقدت العزم على أنني لن أصوب في حياتي أي طلقة نحو أي هدف، فمن المستحيل أن أكون صيادا في أي يوم، وأكثر استحالة من ذلك أن أخوض أي معركة، لأنني لا أريد أن أكون قاتلا ولا مقتولا.

أما عن ركوب الخيل، فقد هجرتها عندما سقطت على أرنبة أنفي من على صهوة فرس حرون، ومن يومها لا علاقة لي بالخيل إلا بمشاهدتها أو رسمها أو المراهنة عليها.

وبقيت لي السباحة، التي لا أرضى عنها بديلا، خصوصا أنني مارستها في الينابيع الحارة في النمسا والثلوج تحيط بي من كل جانب، وفعلت ذلك أيضا في عز الصيف على بلاج (بور بورا) وهو المكان المفضل للسباحة لدى المرحومة (ديانا) عندما كانت تذهب إلى جنوب إسبانيا.

والذي دعاني للتطرق إلى هذا الموضوع الحيوي، هو ما شاهدته وسمعته بفضول من شيخ يحرم السباحة في مسبح مشترك، فوقع تحريمه هذا في نفسي موقعا حسنا، حيث إنني لا أسبح فقط في مثل تلك المسابح، ولكنني أيضا أصاب بالرعب منها ولا (أهوب) ناحيتها إطلاقا، فليس هناك ألزم على الإنسان من (العفاف) - خصوصا عفاف النظر – فالعين، والعياذ بالله، تزني كذلك أحيانا.

والذي ذكرني بهذه الفتوى الصائبة، هو حديث دار بيني وبين أحد الأشخاص من الذين يترددون دائما على دولة (تشيكيا) الجميلة، حيث إنني قد عزمت على زيارتها وأردت منه أن يعطيني فكرة مجملة عنها، وما المناطق والمتاحف والمطاعم التي تستحق الذهاب إليها. فقال لي إنها كثيرة، ولكنها كلها لا تضاهي بروعتها الأحواض الممتلئة (بالبيرة) فلا تفوتك السباحة فيها، والتي طرحت هذه الفكرة العبقرية هي شركة تشيكية، أسهمها وصلت إلى عنان السماء.

الواقع أنني ما إن سمعت كلامه هذا حتى امتعضت، معتقدا أنه يمزح، أو بمعنى أدق أنه (يتتريق) علي، فكدت أقول له: الحق ليس عليك، ولكنه علي أنا لأنني سألتك، وقبل أن أتفوه له بجملتي هذه، لاحظ هو تعجبي وامتعاضي، فعاجلني قائلا: والله، إنني لا أمزح، فهذه الأحواض الكبيرة هي التي يتهافت ويتزاحم عليها السياح من كلا الجنسين.

واستطرد يعدد لي مزاياها قائلا: إن فوائدها على الجسم لا تضاهى.

فقاطعته على استطراده قائلا له بلهجتي المحلية: على هونك، على هونك (يا لخو)، ليه.. أنت فاكرني قد ولدت في مصنع للبيرة، أو أن أهلي قد فطموني عليها؟! إنني أيها السيد أرفض العوم في المسابح المختلطة الممتلئة بالماء الزلال الحلال، فكيف تنصحني بأن أعوم في هذه الأحواض الممتلئة بالبيرة - وهي ضرب من (الجعة) - التي ما هي إلا صنف من أصناف الخمور التي أمرنا الله باجتنابها، لا وزدتني شوقا، فأنت فوق ذلك تريد أن تحملني إثما مضاعفا، حيث إن تلك الأحواض المشتركة التي تحوي أيضا الرجال والنساء بالمايوهات (!!)، سامحك الله على نصيحتك الخائبة هذه.

قلت له ذلك ثم نهضت من مكاني وتركته، وأنا أردد بيني وبين نفسي: أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العظيم.

[email protected]