إيران ومصر.. أحجية العلاقة

TT

بعد 34 عاما، زار رئيس إيران أحمدي نجاد مصر. قطعت إيران علاقاتها بمصر في أعقاب قيام نظام آية الله الخميني في عام 1979، عام الثورة الإسلامية وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

لم تكن زيارة رسمية أو ثنائية. فقط كان أحمدي نجاد يشارك في مؤتمر القمة الإسلامية في القاهرة. كما هو معتاد، كانت زيارة أحمدي نجاد مثيرة الجدل، مع سلوكه الغريب المعتاد. على سبيل المثال، حينما سافر محمد مرسي إلى طهران لحضور قمة دول حركة عدم الانحياز، مكث في طهران لمدة 4 ساعات فقط! بعدها، توجه لحضور القمة، وبعد إلقاء خطابه، عاد أدراجه على الفور إلى المطار. على الجانب الآخر، مكث أحمدي نجاد في القاهرة لمدة 4 أيام. وواجه مشكلة جديدة يوميا!

إضافة إلى ذلك، كان أحمدي نجاد قد ترك طهران بعد أحداث زوبعة سياسية ضخمة. لم تكن زوبعة في فنجان. لقد أحدث أزمة حقيقية في برلمان إيران تسجيل بكاميرا خفية لمحادثة جرت بين فاضل لاريجاني شقيق رئيس البرلمان، وسعيد مرتضوي رئيس منظمة الأمن الاجتماعي في الحكومة الانتقالية والمدعي العام السابق في طهران.

يبدو أن فاضل لاريجاني قد ظهر في المحادثة يطالب بحوافز مالية معينة، من بينها راتب شهري يقدر بخمسة عشر ألف دولار أميركي، ومكتب في طهران وفيللا في شمال إيران، على أن يقدر سعرها بنحو سبعمائة مليون دولار. طالب فاضل لاريجاني بهذه الامتيازات في مقابل التوسط لإيجاد حل لمشكلات مرتضوي مع شقيقيه: رئيس البرلمان علي لاريجاني، ورئيس الهيئة التشريعية والقضائية بالحكومة صادق لاريجاني.

سافر أحمدي نجاد المثير للمشكلات إلى القاهرة في محاولة لإعادة العلاقات الإيرانية - المصرية. وقد تصرف بصورة غريبة في كل مكان ذهب إليه، بما في ذلك إبان المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب. عندما بدأ الطيب في انتقاد دور حكومة إيران في المنطقة، الممثل في دعم النظام السوري وما إلى ذلك، هدد أحمدي نجاد بأنه في حالة عدم توقف الانتقادات الموجهة إليه، فسوف يغادر المؤتمر الصحافي. بعدها، في مسجد الحسين، صرخ شاب سوري قائلا إن أخاه قد قتل على يد نظام الأسد، وإن أحمدي نجاد يدعم قاتليه. في النهاية، خلال الجلسة المنعقدة في سفارة إيران في القاهرة، تظاهر عشرات المصريين والسوريين أمام مقر السفارة ضد الرئيس محمود أحمدي نجاد.

نظم المحتجون مظاهرات أمام السفارة في يوم 7 فبراير (شباط) احتجاجا على زيارة الرئيس الإيراني لمصر، وهي الأولى من نوعها منذ الثورة الإيرانية في عام 1979.

في الوقت نفسه، أشار ياسر علي المتحدث باسم الرئاسة، إلى أن عودة العلاقات مع إيران متوقفة على إنهاء الأزمة السورية. وأشار علي في مؤتمر صحافي عقد على هامش مؤتمر القمة الإسلامي إلى أن الجميع مدرك لتأثير إيران داخل سوريا.

يبدو أن مبادرة أحمدي نجاد لتوطيد العلاقات مع مصر قد باءت بالفشل تماما. في وقتنا الحاضر، ربما يرى مسؤولو الحكومة المصرية أنهم إذا ما حاولوا توطيد علاقاتهم بإيران، فسوف يواجهون رد فعل سلبيا من العامة. يبدو أن الوقت المناسب لتوطيد علاقات بين البلدين أو إقامة علاقة كاملة بينهما لم يحن بعد. في بداية زيارته لمصر، وهي الزيارة الأولى للقاهرة من قبل قيادي إيراني خلال أكثر من ثلاثة عقود، طالب أحمدي نجاد بتشكيل تحالف استراتيجي مع مصر. لكن الآن، يبدو أنه لا توجد مساحة لقيام علاقة طبيعية. مثلما يقول الإمام علي: مجتنى الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه.

يبدو لي أن تلك المشكلات، المستندة إلى وجهة نظر فلسفية، جوهرية وليست عارضة. علاوة على ذلك، فإن أحمدي نجاد في أضعف مواقفه منذ توليه الرئاسة.

في صلاة الجمعة الأخيرة، انتقد معظم الشيوخ أحمدي نجاد. ومن ثم، أعتقد أنه لم تعد هناك مساحة لأحمدي نجاد، ويتمثل السبيل الوحيد بالنسبة له للبقاء لفترة أطول قليلا في توظيف شعارات ضخمة.

وقال أحمدي نجاد، على هامش مؤتمر القمة الإسلامي في القاهرة: «الشعب الإيراني على استعداد للزحف إلى إسرائيل لتدميرها إذا ما شنت هجوما ضد إيران. يأمل الصهاينة في شن هجوم على إيران، لكنهم يخشون من رد الفعل الإيراني وتبعات مثل هذا الهجوم. بإمكان قواتنا أن تردع أي معتد وتجعله يدفع الثمن غاليا».

من الواضح أن أحمدي نجاد ليس القائد الأعلى، وليس شخصية حاسمة فيما يتعلق بالشأن الإسرائيلي. علاوة على ذلك، فإن أحمدي نجاد ووزير خارجيته، صالحي، ثمنا اقتراح جو بايدن بالتفاوض المباشر، لكن آية الله خامنئي رفض اقتراح بايدن على الفور، قائلا عن نفسه إنه رجل ثوري وليس دبلوماسيا!

ويخاطب حافظ الشيرازي محبوبته قائلا: «حبيبتي! بفضل حبك، أجدني مثل الملك سليمان، لا تحمل يدي سوى الرياح!».

كي أكون صادقا، فإن شعارات أحمدي نجاد مماثلة لابتسامة نتنياهو! ربما تتساءلون: كيف توصلت إلى هذا الاستنتاج؟! في يوم الخميس 7 فبراير، قرأت مقالة مهمة في صحيفة «هآرتس» العبرية. كان عنوانها هو «لا تبتسم!». وفي هذا المقال، يعرض جدعون ليفي تفسيرا بارعا للابتسامات. تعتبر الابتسامات أقنعة لإخفاء الحقائق. نتنياهو يبتسم، لكن نتيجة أفعال نتنياهو وزملائه في دولة إسرائيل الجديدة، سوف تواجه إسرائيل موقف اللاسلم.

كيف يمكننا أن نتقبل مثل تلك الشعارات شديدة الثورية المناهضة لإسرائيل. نتذكر قول معلم أحمدي نجاد، رحيم مشائي، إن إيران وإسرائيل دولتان صديقتان! لاحقا، قال إنه يعني بإسرائيل شعب إسرائيل، لا حكومتها! وفي مقابلة محمود عباس مع أحمدي نجاد، طلب منه الحديث بصورة أكبر عن فلسطين، وتقليل الحديث عن تدمير إسرائيل، إذ إن ملاحظاته المعارضة لإسرائيل تضر بالقضية الفلسطينية، حسبما يفيد مصدر مصري.

وكما لو كان متنبئا قال إنه بعد فترة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات، سوف تتغير أميركا. إذا سألته ما معيارك للإدلاء بهذا التصريح الجريء؟ ولماذا تعتقد أن أميركا سوف تتغير؟ فلن تجد ردا.

لسوء الحظ، يستخدم ساستنا شعارات بدلا من الحكمة. إنهم يعيشون في أوهام الكهف. وهم يعتقدون أن بإمكانهم استخدام الحيل والأكاذيب في إقناع شعبهم، كما يشاءون.

على سبيل المثال، عندما طرح الإمام الأكبر شيح الأزهر الشريف بعض التساؤلات، ثم واجه تهديد أحمدي نجاد بمغادرة المؤتمر الصحافي، يدل هذا على أن أحمدي نجاد يدرك أنه لا يملك أي رد منطقي على تلك الأسئلة. كانت تلك بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة له لتوضيح آرائه، لكنه أضاعها ببساطة؛ لأنه لم يملك شيئا يمكنه أن يقوله، وتلك هي المشكلة الرئيسية.

لقد تم إلقاء القبض على شاب سوري حاول قذف حذائه على أحمدي نجاد وإسكاته بالقوة، لكن من يمكنه الرد على سؤاله: لماذا قتل أخوه في حلب؟