أحمدي نجاد بين مرسي والأزهر

TT

هل موقف شيخ الأزهر الصلب والصريح في لقائه الأخير بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد جاء مخالفا لتوجهات الرئيس مرسي التي يقول خصوم «الإخوان» إنها مخالفة للموقف الإخواني التقليدي المحابي لثورة إيران؟ أم أن موقف الأزهر جاء متناغما مع موقف الرئيس مرسي القوي في عقر الدار الإيرانية حين وبخ السياسة الإيرانية في سوريا من خلال نقد نظام سوريا ونزع الشرعية عنه، ثم الترضي عن الخلفاء الراشدين في إشارة واضحة إلى أدبيات السباب التي يكتنز بها إرث بعض غلاة الشيعة؟

الجواب هو أن موقف الأزهر القوي يسجل له على كلتا الحالين، فإن كان موقفا مستقلا عن الحكومة المصرية فهذا بحد ذاته يحمل إيجابيتين: الأولى أنه يعني أن الأزهر فتح صفحة جديدة في استقلالية قراره عن الحكومة المصرية أيا كان انتماء رئيسها، وهذا هو الوضع الصحي الذي يسنده تاريخ الأزهر المشرف، والثانية وهي التي تعنينا هنا أن الأزهر فسخ عباءة المجاملات التي صبغت علاقته بالمرجعيات الإيرانية، والتي استغلتها الأخيرة للتغلغل في أرض الكنانة في جنح الليل وعلى غفلة من الأزهر، متوشحة بثوب الوحدة ورداء التقارب لتنشر التشيع في مجتمع كل مسلميه سنة، مما يهدد بخلق بؤر طائفية قابلة للاشتعال في أي لحظة.

وإن كان موقف الأزهر متماشيا مع موقف الرئيس مرسي القوي في طهران، وهذه هي الحال الثانية، فتلك أيضا إيجابية تسجل في حق الأزهر والرئاسة المصرية ومواقفهما ضد سياسة إيران والتي يتهم خصوم «الإخوان» بأنهم يريدون من زيارة أحمدي نجاد التاريخية لمصر تقاربا جديدا مع إيران.

الرئيس أحمدي «نجاد» أراد بزيارته إلى مصر ولقائه بقادة الأزهر أن يكون «نجدة» إيران من عزلتها التي عززها موقفها الطائفي واللاإنساني من حليفها الدموي بشار الأسد، هذا الموقف المخزي المتحالف مع جرائم النظام السوري البشعة ضد شعبه كان القشة التي قصمت ظهر المصداقية الإيرانية في العالم الإسلامي، فكان من الطبيعي أن يكون أحد مخرجاته هذا الموقف المزهر للأزهر.

اللافت في هذا الشأن أن إيران وبتصرف منزوع الكرامة ما برحت تصر على سيمفونية الوحدة والتقارب والممانعة والتصدي للمخططات الإسرائيلية، والتي لم تعد تطرب حتى حلفاءها، ولم يكف القيادة الإيرانية المتغطرسة أن معركة إسرائيل الأخيرة ضد غزة كانت متزامنة مع معركة بشار ضد شعبه، المجزرة الإسرائيلية كانت تقتل ما معدله عشرة أشخاص في اليوم وتوقفت بعد أيام قليلة، وآلة بشار الدموية كانت تحصد، وبأسلحة وخبرات إيرانية في اليوم ما معدله 200 سوري، هي المجازر البشعة التي أراد لها النظام السوري أن تفتك بالشعب السوري منذ سنتين. وحين أتحدث عن «الكرامة الإيرانية» المنزوعة، فأنا أقصد أن هذه الرسائل القوية التي تلقتها إيران من مرسي في طهران وتلقاها أحمدي نجاد في القاهرة لم تثن محاولات إيران الحثيثة عن فك عزلتها ومواصلة تغلغلها في دول العالم السني مستغلة اضطراباتها السياسية وأزماتها الاقتصادية، وإلا كيف نفسر فتح إيران مؤخرا لحدودها السياسية للمصريين للدخول من دون تأشيرة؟!

بقي أن أشير هنا إلى أن ثمة خيطا رفيعا يفصل بين الطائفية ضد الشيعة، وهو أمر يستنكره كل عاقل، وبين نقد إيران وسياساتها وتمددها الآيديولوجي في دول كل مسلميها سنة، ولو أن إيران انكفأت على نفسها وآيديولوجيتها، كما هي حال أذربيجان الشيعية الوادعة، ولم تنتشر كالأخطبوط في كل دول العالم السني لما كان هذا الموقف النافر منها ومن سياساتها. كان الأزهريون في سنوات ماضية يستهجنون من يحذر من مخططات إيران ومنهجها في تشييع العالم السني ويتهمون من يحذر من إيران بقصر النظر والاستجابة للنزعة الطائفية، فلما اكتوت مصر ببعض اللهيب الإيراني اقتنع الأزهر، وهو الصوت الأكثر سماحة واعتدالا، بأن الوقوف في وجه النفوذ الإيراني أمسى واجبا دينيا ومسؤولية وطنية في أي بلد عربي.

[email protected]