حتى لا يبقى القتل معلنا

TT

استهلت إحدى القنوات التلفزيونية المصرية نشرتها الإخبارية بالآتي: «مقتل محمد البرادعي في ظروف غامضة.. هذا الخبر ما بتنا نتوقعه في المقبل من الأيام».. أذيع الخبر الافتراضي هذا بعد ساعات من تشييع المعارض التونسي شكري بلعيد الذي اغتيل أمام منزله في العاصمة التونسية والذي هز مقتله الرأي العام التونسي واستتباعا المصري.. فالمصريون على قدر ما استلهموا من الثورة التونسية على قدر ما يتوجسون من انزلاقاتها بصفتها إيذانا بما ينتظرهم.

استنفر الإعلام في تونس ومصر بانتظار ضحايا جدد بل يجري التحسب منذ الآن عبر إعداد سير ذاتية وآليات تغطية لمن قد تطالهم فتاوى القتل والتعزير أو الاتهام بالكفر والعمالة والمساس بالأمن. ورغم الغموض التقني لمنفذ الاغتيال فإن حكايات القتل هذه باتت كلاسيكية.. فالسيناريو ليس بالخارج عن المألوف ولنا في ذاكرة الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي الكثير من الحالات المشابهة.

ولئن كان قتل بلعيد هو الشكل المباشر والسافر للاغتيال، إلا أن مصر شهدت أيضا خلال الأسابيع الماضية اغتيالات شبه صامتة لوجوه غير معروفة مثل بلعيد ولكن لشباب نشط وفاعل في معارضة الحكم الإخواني، خصوصا عبر صفحات الإعلام الاجتماعي.

اليوم عادت فتاوى التكفير والتي دفع بسببها مشاهير المثقفين والكتاب حياتهم ثمنا لها. وفتاوى القتل العائدة اليوم ليست محصورة في جمهرة صغيرة في مسجد، فمطلقو دعوات الموت قد يكونون يشاركون في طاولة حوار تلفزيوني أو عبر رسالة مصورة على «يوتيوب».. فالإسلام السياسي لم يعد غامضا ومتواريا بل بات في كثير من وجوهه سافرا وتحريضيا حتى القتل.

مرة أخرى، القاتل غير معلوم بالمعنى التقني لكن ما يجري من حملات تكفير يعطي شرعية للقتل. فما يفعله خطاب التكفير والحض على قطع الرقاب هو امتحان حقيقي نخضع له جميعا، فهل علينا التحول إلى مجتمع عنيف أم التمسك أكثر من أي وقت مضى بمبدأ النقاش والنضال السلمي؟

إذن، نحن مرة أخرى أمام قصص قتل معلنة، وفي ظل انتشار وسائل التواصل يمكننا العثور على «يوتيوب» يحرض على قتل بلعيد أو على فتوى شيخ مصري يدرج أسماء معارضين على لوائح قتل واجبة التنفيذ. وسواء أكان القاتل نفسه أم آخر ناب عنه فإن للتحريض هنا وظيفة القتل. ومن سوء حظ القتلة هو عجزهم عن التقاط معاني الحياة الحديثة، ذاك أن اغتيال بلعيد مثلا أحيا نزعة تونسية معادية للإسلام السياسي ولممارسات الشيوخ كانت ذروتها المظاهرة الضخمة التي شيع بها المغدور.

يجري في مصر شيء مشابه.

لا يمكن للإخوان المسلمين ولا للسلفيين شركائهم أن يتبرأوا من موت ضحية ثمة شريط فيديو يظهر فيه شيخ منهم يحرض على قتلها. إنهم القتلة الافتراضيون في حال لم يكونوا قتلة واقعيين، ولهذا ثمن في السياسة.

diana@ asharqalawsat.com