كي لا يصيب مرسي ما أصاب مبارك

TT

في واحدة من ساعات الشدة واجهها الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي ارتأى أن يحيط نفسه بعدد من المستشارين اختارهم من بين النخبة المصرية كل في مجاله. فهذا من المتبحرين في أصول الدين وذاك من الفقهاء في القانون. كما هنالك من جاء من النخبة الهندسية والنخبة العلمية والنخبة الفكرية. وكانت هذه الخطوة نوعية وغير مطروقة من حيث الشمول. وتكاد تشبه الخطوة التي طالما اعتمدها الملك الراحل حسين بن طلال مع فارق أن العاهل الأردني ركز على مستشارين من أهل السياسة والاقتصاد والخبرة في أصول التعامل مع المجتمع العشائري. وعلى حد ما نعرفه كان الملك حسين يحرص على الإصغاء وبعد ذلك يقوم بترتيب الأفكار ووضْع صيغة لأمر في صدد الإعلان عنه، داخليا كان هذا الأمر أو هو يتصل بالسياسة الخارجية، وأحيانا بالصراع المستديم مع إسرائيل.

بالعودة إلى الخطوة التي أقدم عليها الرئيس محمد مرسي نشير إلى أن حلقة المستشارين الذين اختارهم بهدف الإصغاء إلى رؤيتهم ومساعدته في صياغة القرار الذي ينوي الإعلان عنه أصابها نوع من الوهن ثم ما لبث معظم أفراد مجلس المستشارين هذا يبتعدون عن الرئيس إما بصمت وإما بالإعلان عن استقالتهم من هذا المنصب الذي أراده الرئيس مرسي على نحو ما تبين نوعا من الزخرفة وليس أمرا هو - كرئيس للسلطة الأعلى في أكبر دولة عربية - يحتاج إليه وبالذات في ساعات الشدة وما أكثرها.

حالة الرئيس مرسي بعد ارفضاض الجمع الاستشاري عنه تشبه حالة الرئيس حسني مبارك. كلاهما لم يأخذ أهمية دور المستشار الذي ينظر بموضوعية إلى الأمور، مع أن الاثنين أطلقا إشارات إلى أنهما لن يكونا مثل آخرين من أهل الحكم لا يحبذون الاستئناس بآراء الغير ممن في دواوينهم أو من يختارون كمستشارين لهم سواء كانت الاستشارة ظرفية وعابرة أو كان للمستشار موقع ثابت في ديوان الحاكم.

هنا أستحضر حالة لم يوظف الرئيس مبارك مردودها مع أن الأخذ بها كان ربما ينجي تاريخه من إهانات يرمى بها عهده. وحذا الرئيس مرسي حذو سلفه الرئيس مبارك وها هو يعيش مأزقا نتيجة عدم الأخذ بالاستشارة. وفي الحالتين فإن المستشار هو الأستاذ محمد حسنين هيكل، فعند اشتداد الأزمة مباشرة بعد ترئيس الدكتور مرسي طلب الأخير من هيكل رأيا فيما حدث وفيما يمكن أن يحدث مستندا في طلبه هذا إلى أن محمد حسنين هيكل عايش العهد الجمهوري منذ بداية ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 وقام بدور المستشار للرئيس عبد الناصر طوال ثمانية عشر عاما. وبعد رحيل عبد الناصر بوفاة مفاجئة مارس بصيغة الكتابة دور المستشار لأن الرئيس أنور السادات اختار آخرين لمجلسه. وفي معظم كتاباته حول الشأن المصري يكتب أو يتحدث في مقابلات تلفزيونية عما كان سيقوله للرئيس السادات لو أنه طلب منه رأيا في أمور سيتخذها.

بعد رحيل السادات اغتيالا حذا الرئيس حسني مبارك حذو الرئيس السادات مكتفيا بإخراج هيكل من السجن مع نخبة من أهل الفكر والسياسة والعلماء كان السادات أودعهم السجن لأنهم كانوا ينادون ببعض ما ينادي به المعترضون حاليا على الهيمنة الإخوانية. لكن مع ذلك سار هيكل على النهج ذاته يكتب أو يتحدث في مقابلات بعقلية المستشار وإن كان لا يستشار من الرئيس مبارك، وعلى نحو ما حدث مع الرئيس مرسي الذي بعدما نأى المستشارون عنه اختلطت الأمور عنده. وعندما سمع الرأي من هيكل خلال اجتماعه به اكتفى بالإصغاء دون ترجمة المشورة إلى فعل لأن الكلمة في النهاية هي للمرشد وليس لآخرين حتى إذا كان هيكل واحدا منهم.

ومن جملة ما سمعته (ومعي الزميلان بكر عويضة وإحسان بكر ونشرناه بتاريخ السبت 28 مارس/ آذار 1987 في مجلة «التضامن»التي كنت أصدرها من لندن) كرأي لو أن الرئيس مبارك طلب ذات يوم من هيكل استشارة فيما يراه مستحسنا بل ومن الضروري القيام به في فترة الرئاسة الثانية بعدما كانت الفترة الأولى على أهبة الانقضاء قوله: «أتمنى على الرئيس مبارك أن يولي اهتماما خاصا لثلاث قضايا: مواجهة حازمة للفساد، وتصد حازم للفتنة الطائفية، ووقفة حازمة في وجه عملية الاختراق الجارية للمجتمع المصري. إن الفساد استشرى وتحول إلى نوع من حرب العصابات. والفتنة الطائفية تطل برأسها على البلد العربي الوحيد الذي يملك مقدرة التماسك الداخلي والوحدة الوطنية. ومشكلة الاختراق ماضية في مصر لا تعرف حدا ولا رادعا...».

هذا الكلام قيل وكان مبارك أمضى ست سنوات رئيسا لمصر. وإذا كان مبارك لم يسمعه شخصيا ومن هيكل فإنه لا بد أن نقلوه إليه. مع ذلك لم يأخذ مبارك بهذا الرأي وأمضى ثلاث دورات رئاسية تراكم فيها الفساد وطفا مشروع التوريث على السطح وداخل كواليس الرئاسة والعائلة الشخصية. كما ترسخت الفتنة الطائفية وتعددت أنواع الاختراقات للمجتمع المصري التي أبرزها اختراق الإخوان المسلمين لهذا المجتمع. وهو اختراق يؤسس في ضوء ما يحدث لما هو أعظم ولن ينفع فيه سوى مشاركة الإخوان في مصير البلد وليس وضع اليد عليه. وعندما نرى أن الرئيس مرسي من دون مستشارين وأنه حبيس قصر تشتعل النيران خارجه ويرمي الغاضبون حديقة القصر بالقنابل الحارقة فهذا يعني أن الرئيس الذي ظهر على الناس لحظة ترئيسه كاشفا بكلتا يديه سترته ليقول ما معناه إنه لا يخشى الاغتيال يحذو حذو الرئيس السلف حسني مبارك المسجى على نقالة بين المستشفى والسجن والمحكمة. كلاهما لا يستشير مع أنهما مسلمان وأن القرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال الصحابة تجعل المشورة في المقام الأول. وحتى أهل الشعر والأدب في الزمن الغابر اعتبروا الرأي يتقدم على شجاعة الشجعان... واستطرادا على عناد المعاندين في الكلام.