توترات شرق آسيا تفرض ضرورة تركيز أوباما على المنطقة

TT

عندما يتأمل أوباما السياسة الخارجية لولايته الثانية، يجد نفسه مواجها بجهاديين ينتشرون في شمال أفريقيا، ووقوع سوريا في الفوضى، ومزيد من الشقاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وانحدار العراق نحو حرب أهلية، وأفغانستان غارقة في مستنقع الفساد، وتسعى إيران دون كلل لتسريع برنامجها النووي.

ربما تبدو تلك أمورا سهلة.

وفي آسيا، قد تبدو الأوضاع مخيفة حقا.

منذ دخوله إلى البيت الأبيض، أراد الرئيس أوباما تحويل الاهتمام والموارد إلى منطقة المحيط الهادي، حيث توجد أفضل الفرص المتمثلة في النمو الاقتصادي والابتكار وإمكانية الاستثمار المتبادل والتجارة. وتحول وصف القرن الحادي والعشرين بقرن المحيط الهادي، إلى وصف معتاد.

ربما ينجح هذا الاعتقاد، لكن منطقة المعجزات الاقتصادية تحولت إلى منطقة مواجهات مخيفة، فكوريا الشمالية تذيع مقاطع فيديو تصور نيويورك وهي تشتعل. والسفن الحربية الصينية توجه أسلحتها التي تستهدف رادارا على سفينة ومروحية يابانية. وتصاعدت حدة الصراع بين كوريا الجنوبية واليابان، وكوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، والصين والفلبين، والهند والصين. وتايوان دائما نقطة محتملة للصراع. وأي صراع من هذا قد يجر الولايات المتحدة.

التطور الأكثر إثارة للفزع، ربما يكون في كوريا الشمالية - معسكر سجن الوراثة الوحيد في العالم، حيث يبدو الزعيم الشاب - الجيل الثالث - مصمما على توسيع وتطوير ترسانته النووية حتى يحول إلى تهديد دائم، لا لكوريا الجنوبية واليابان وفقط، بل للولايات المتحدة أيضا. من جانبهم، يؤكد المسؤولون الصينيون انزعاجهم من تصلب رأيه، لكنهم لا يبدون رغبة في كبح جماحه، والخشية من وقوع مزيد من الفوضى التي قد تنشب نتيجة إلى ذلك. تبنى أوباما في الفترة الأولى سياسة معقولة لتجاهل كوريا الشمالية بقدر الإمكان، في الوقت الذي يتحدث بوضوح أنه سيرد الجميل إذا ما أصبحت أكثر تساهلا. وقد يجد كيم يونغ إيل، الذي يعتقد أنه في أواخر العشرينات، وسيلة لجعل هذا الموقف غير قابل للدفاع عنه.

في الوقت ذاته، يعيش جيران الصين في جنوب شرقي وشرق آسيا حالة من الارتباك المتزايد. زعمت الصين كثيرا أن القاسم الأعظم لبحر الصين، رغم أن خطها الساحلي أبعد عنه من الخط الساحلي لفيتنام وماليزيا والفلبين.

أرسلت الصين الطائرات والسفن لتحدي اليابان بشأن بعض الجزر الصخرية غير المأهولة التي تطلق عليها اليابان سنكاكوس، بينما تطلق عليها بكين جزر دياو، وسعت بشكل متواصل إلى زيادة حجم وقدرات قواتها العسكرية، وللمرة الأولى خلال سنوات كثيرة تنتهج الجارة اليابان نفس نهجها.

إذا كان ذلك قد بدا محتوما في القرن الماضي، ربما يكون ذلك لأن القادة الجدد في كل الدول المحورية هم أبناء الجيل الثاني أو الثالث، يتحملون تبعات الماضي، فرئيس الوزراء شينزو آبي هو حفيد زعيم اليابان الإمبراطورية - بما في ذلك الصين المحتلة - الذي أعاد تشكيل نفسه كرئيس وزراء مؤيد للولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ورئيسة كوريا الجنوبية المنتخبة، بارك جيون هي، إنما هي ابنة لرئيس ظل في الحكم لسنوات طويلة، ولقيت والدتها مصرعها على يد مؤيد لكوريا الشمالية.

(كانت الرصاصة تستهدف والدها، الذي اغتيل في وقت لاحق على يد مسؤول الاستخبارات في بلده). ورئيس الصين الجديد، تشي جينبينغ، هو ابن الرفيق الثوري لماو تسي تونغ الذي ساهم في قتال اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. وكيم يونغ أون حفيد كيم إيل سونغ، الذي، بحسب الأسطورة الكورية الشمالية، حارب اليابانيين في الثلاثينات والأربعينات، والأميركيين وكوريا الجنوبية في الخمسينات.

من المثير للاهتمام تكهن الهمسات الخفية التي قد يسمعها هؤلاء القادة. لكن، ربما يكون مفيدا بشكل أكبر التركيز على الضعف الوطني الذي قد يجبرهم على التصرف. فكوريا الشمالية، تلك الدولة الفاشلة والضعيفة كان الابتزاز والتبجح هما استراتيجيتها الوحيدة. والصين، قوة صاعدة واقتصاد متنام، لكنها تقاد بنظام الحزب الواحد، الذي قد يغريه استخدام القومية الصينية لتشتيت الصينيين القلقين عن الاضطرابات الداخلية. في الوقت ذاته، أقالت اليابان رئيس وزراء تلو الآخر، بصورة شبه سنوية، أغلب العقد الماضي، اضطراب قد يجعلها دون وزنها العسكري والاقتصادي.

كل هذا يجعل المنطقة متعطشة للوجود والقيادة الأميركية، وهو ما أدركه أوباما في فترته الرئاسية الأولى بوعده بالتوجه نحو آسيا. ويأمل القادة الإقليميون أن يتمكن من الوفاء بهذا الوعد في فترته الثانية، لكنهم في الوقت ذاته يتساءلون عما إذا كانت السياسة الأميركية ستتم صياغتها هي الأخرى من خلال الضعف السياسي. فقد تابعوا باهتمام إعلان البحرية عزمها على خفض أعداد سفنها الحربية، مرة أخرى، وأمر وزير الدفاع ليون بانيتا ببقاء حاملة طائرات في الميناء بسبب ضغوط الميزانية. ويتساءلون عمن سيرث محور آسيا لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومساعدها السابق كيرت كامبل. إنهم يرون أن الأخطار من مالي إلى قندهار هي ما يجذب انتباه أوباما. ويأملون ألا تقع أزمة خطيرة في منطقتهم تجعل من هذا القول حقيقة.

* خدمة «واشنطن بوست»