ذكريات يناير وفبراير

TT

سيدخل يوم 11 فبراير (شباط) 2011، وهو اليوم الذي قرر فيه الرئيس المصري السابق حسني مبارك التنحي، التاريخ باعتباره نقطة التحول في الموجة التي أطلق عليها لاحقا «الربيع العربي» والتي امتدت لتشمل تقريبا معظم الجمهوريات العربية التي تأسست أنظمتها تقريبا في الخمسينات والستينات بتداعيات ونتائج مختلفة أو بأزمات وحروب ما زالت مستمرة.

لقد كانت البداية في تونس بتنحي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي تحت ضغط المظاهرات الشعبية، ووقتها كان هناك اعتقاد بأن هذه حالة خاصة لن تمتد إلى سواها، وقيل وقتها إن مصر غير تونس، والذين قالوا ذلك وقتها كانوا يستندون إلى حقيقة تاريخية تتعلق بقوة جهاز الدولة ومؤسساته في مصر، وتعوده على الأزمات، ولذلك عندما حدث الانهيار، أصبح هناك قناعة بأن التغيير سهل لنكتشف بعد ذلك أنه شديد الدموية في ليبيا، ولم ينجز إلا بتدخل من الناتو، وأكثر دموية وصعب للغاية في سوريا بعد أن تداخلت فيه عوامل الطائفية والصراعات الدولية والإقليمية.

في يناير (كانون الثاني) وفبراير 2011، شهري الثورات والانتفاضات، كانت التوقعات كبيرة، وغير واقعية، فالتغيير في المجتمعات ليس قضية عام أو عامين، لكنه يمكن أن يستهلك جيلا أو جيلين وحتى أكثر، وكل التجارب التاريخية تشير إلى أنه عادة ما تكون الفترات الانتقالية مؤلمة وصعبة ومليئة بالمطبات وحتى الارتدادات.

وفي الحالة العربية هناك 4 جمهوريات شهدت تغييرات في أنظمتها منذ 2011 هي تونس ومصر وليبيا واليمن التي يوافق يوم أمس ذكرى انطلاق «الانتفاضة هناك» بطرق ونتائج مختلفة، وإن كان الجميع يشترك بعد عامين تقريبا في حالة عدم الاستقرار السياسي أو حتى تفاقمها، وبتدهور الأوضاع الاقتصادية عما كانت عليه قبل الانتفاضات الشعبية، في حين أن العامل الاقتصادي كان من أقوى عوامل التذمر والتغيير.

الانقسام السياسي الحاد الذي يأخذ في أحيان كثيرة أشكالا عنيفة هو الطاغي على المشهد، خاصة في تونس ومصر واليمن من دون أفق واضح لكيفية الخروج منه في ظل عدم وجود توافق وطني حول شكل الدولة والمجتمع المبتغى، وهو انقسام ملامحه واضحة للغاية، ولعله يكون للمرة الأولى بهذا الوضوح في مجتمعات عربية بين قوى الإسلام السياسي بمختلف تنظيماتها التي تريد أن تأخذ المجتمع في اتجاه يتوافق مع آيديولوجيتها وتصورها لما يجب أن يكون عليه البناء السياسي في ظل هذه الآيديولوجية والقوى الأخرى التي تريد استمرار البناء السياسي المدني للدولة بعد تحديثه.

بين هاتين القوتين هناك قوة ثالثة يبدو أنها لم تقل كلمتها بعد، أو لا تعرف كيف تترجم حالة غضبها، الذي كان وقود ومحرك ما حدث من تغيير في أشكال من العمل السياسي، تتجاوز الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع أو حتى العنف الذي يأخذ في بعض الأحيان شكلا غير مبرر، ولا يفيد أحدا.

مشكلة الأنظمة السابقة أنها لم تستوعب أهمية هذه الكتلة في الحراك المجتمعي، وأن هناك حالة انفصام أو فجوة بين الأجيال لعبت فيها الثورة المعرفية والمعلوماتية بأدواتها التكنولوجية الحديثة دورا مؤثرا، ويبدو أن هذه الفجوة ما زالت مستمرة بشكل أو بآخر، والأنظمة الجديدة واقعة في نفس المأزق بما يجعل حالة عدم الاستقرار مستمرة والمراحل الانتقالية أكثر إيلاما.

لقد سلطت إحدى أوراق المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في دافوس الضوء على حقيقة الدور الذي أصبح يلعبه الشباب في المجتمعات من خلال الإشارة إلى أن الفئة العمرية الأقل من 27 عاما تمثل حاليا نحو 50% من سكان العالم، وتصل النسبة إلى نحو 70% في بعض البلدان الأفريقية، وهذه المعادلة تزداد تكثيفا في بعض المجتمعات العربية ليست فقط من خلال النسبة، ولكن أيضا من خلال الفجوة المعرفية بين الأجيال، وتفاوت حجم التطلعات بين شباب اليوم وشباب الماضي.